Look Inside

الرؤى الفلسفية في الشعر العرافي الحر

عدد الصفحات : 534 صفحة

إن الشعر بوصفه موقفاً وخطاباً جماليين ينطوي على خطاب فلسفي ما ومن ذلك فإنه يحدد لغوياً وذاتياً، غير أن تحديده فلسفياً لا يؤدي به أن يتحول إلى فلسفة، وإذا ما حصل ذلك؛ فإن إنتفاء الشعري عن النص الذي من المفترض أن يكون شعرياً، يغدو أمراً محتوماً أو شبه محتوم.

وبسبب التباين الحاصل من هيمنة أحد المفهومين على الآخر، وبسبب عدم تحديد العلاقة الفكرية “الفلسفية” بالأدب، أو تلمس جذورها إلا بجهد نظري جهيد ودأب معرفي مع ضرورة الإنتباه على ما قد يثير هذا من توهم لجوانب العلاقة فيتحول الأدب إلى معادلات عقلية محضة تلامس أسباب تلك العلاقة؟…

إذ ينبغي توخي الحذر من ربط الفلسفة بالأدب خوفاً من إحتمال الوقوع في الخطأ إذا ما اختير مصطلح بعينه؛ لأن ثقافتنا تضم تعارضاً خطيراً بين الفكر والشعر؛ إذ يسعى كل منهما إلى الإستحواذ على روح الإنسان الذي تسكنه كما يقول أرباب النقد، وبسبب ذلك كثرت الشواهد النقدية التي تؤكد ذلك الخوف، فقد تردد كبار الباحثين العرب في إطلاق مصطلحات بعينها تجمع تلك العلاقة، أو تفرق بينها، ثم أدى هذا الحظر إلى تجنب تسمية تلك العلاقة إلى إختلاف في التسميات ثم حذر شديد في إطلاقها.

فقد أطلق عليها الدكتور إحسان عباس “المؤثرات الفلسفية في الشعر”، وأطلق عليها أدونيس “المؤثرات الفكرية” وسماها محمد شفيق شيا “البعد الفلسفي في الشعر”، وقد تناولوا تلك العلاقة عن طريق ربط الإتجاه الواقعي بالجماهير، أو عن طريق الإتجاه الذاتي أو الحدس أو الرؤيا الشاملة.

في هذا السياق تأتي هذه الدراسة والتي تمحورت حول موضوع الرؤى الفلسفية في الشعر الحرّ، وتحديداً؛ الرؤى الفلسفية في الشعر العراقي الحر، وهي تعني فيما تعني الأفكار التي تطرح في الشعر بوصفها تساؤلات فلسفية ليست من مهمة الشعر تحليلها أو عرضها أو شرحها؛ لأن شرحها من مهمة الفيلسوف، أما الشاعر فلا غنى له عنها.

وقد تناول الباحث تلك العلاقة بوصفها توظيفاً شعرياً يتصف بالمجازية والصورية اللتين بهما يعيد الشعر إنتاج الموضوعات الحسية والإنفعالية الجمالية، بحيث تبدو شكلاً تخيلياً مجازياً مختلفاً بهذه الدرجة أو تلك عن كينونته الواقعية.

هذا وقد قامت الدراسة على أربعة فصول اكتنفتها مقدمة وخاتمة، جاءت الدراسة في الفصل الأول حول الرؤى والفلسفة والشعر، رابطاً فيما بينها عن طريق الرؤى التي هي قوام الفلسفة كما هي قوام الشعر، وفيه أيضاً تعريف بعلاقة الفن بالفلسفة، وعلاقة الشعر بالفلسفة مناط الدراسة، ومن ثم كيف نظر الفلاسفة والنقاد “عرباً وأجانب” إلى الشعر وكيف عالجوا موضوعاته معالجة فلسفية وما النتائج التي توصلت إليها مدارس النقد الغربي في ظل التنافر الشديد بين الفلسفة والشعر؛ فضلاً عن الآراء التي تبناها النقد العربي التي جاءت متشابهة مع مثيلاتها من الآراء التي تبناها النقد الغربي، وليُخْتم الفصل الأول بعلاقة الرؤى الفلسفية بواقع حركة الشعر الحرّ في العراق.

أما الفصل الثاني والذي جاء تحت عنوان “الرؤى الفلسفية العابرة”، فقد عني بالرؤى الفلسفية التي هي عبارة عن تصورات لحالات تمرّ في حياة الإنسان غالباً ما يحيد عنها ويستعيض عنها بغيرها لأنها ليست مما يدخل في صميم حياته الوجدانية، أو أنها تنشأ بسبب حالات معينة يمكن للإنسان أن يتعافى منها كما في الغربة والإنتماء الفكري والسياسي.

أما الفصل الثالث وعنوانه “الرؤى الفلسفية ووسائل الأداء الشعري” فقد انصرف إلى الإضاءة الوجيزة لبعض وسائل الشعرية التي تأتي في سياق تنمية ممكنات النص الشعري في تقديم رؤاه الفلسفية.

وأخيراً فإن هذه الدراسة اتضح في ثناياها أن ثقافة الشاعر الحديث أسفرت عن وعي شعري معقد، فلم يعد الموضوع الشعري نمطاً مقنناً في الذاتية المفرطة، ولا إحساساً فردياً طافحاً بالعاطفة، بل أصبح العالم بأسره ميداناً للشعر، وأصبح الشاعر والوجود والإنسان موضوعات هيمنت على الفعل الكتابي الشعري؛ إذ أصبحت لغة القصيدة الجديدة هي الواقع نفسه بعدما كانت تعبيراً عن واقع شعري، فبرز نوع من الخيال يعتمد الرؤى الفلسفية وسيلة موضوعية تزاحم وسائل شعرية النص وتثبت حضوراً طيباً.

وبدا ملحّاً اللجوء من حين إلى آخر، إلى وسائل نقدية تأخذ على عاتقها مهمة الكشف عن تداخل الوسائل الشعرية والفكرية “الفلسفية”.

3,800.00 د.ج

التصنيف: الوسم:

Reviews

There are no reviews yet.

Be the first to review “الرؤى الفلسفية في الشعر العرافي الحر”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *