رحلة الفكر الإجتماعي

عدد الصفحات : 416 صفحة

تواجه الكتابة في تطور الفكر صعوبات حجة لعل أظهرها وأكثرها بداهة في معضلة الزمن الذي لا بد من تغطية، فالفكر في صوره البدانية السحيقة سبق التدوين بآلاف السنين مما يقلص الخيارات في الكشف عن جذوره وآفاقه المفتوحة قبل الوصول إلى التدوين.

والواقع أن آثار الفكر السابق للتاريخ لا تتعدى سوى جزء يسير من مسيرة الجنس البشري التي بدأت حوالي نصف مليون أو مليون عاماً، كما يعد علماء المستحاثات والآثار البيولوجين وبحكم الظلام الذي ما زال يلف مجمل الفكر الإنساني السحيق؛ فإن الكتّاب المهتمين بالموضوع ينطلقون من أزمنة أقرب نسبياً لدراسته حيث المدونات على إختلاف أشكالها وبقدر من المعلومات التي تسلط بعض الضوء على أشكال الفكر ومجالاته وطبيعة ما تركز عليه من ظواهر وإشكاليات.

وهكذا لعب الحضارات القديمة التي مثلت فجر التاريخ الفكري والحضاري في وادي الرافدين والنيل وبلاد الشام دوراً رائداً في تسليط الضوء على الفكر القديم، وتأتي حضارات أخرى في بلاد اليونان أو الرومان كمصدر آخر لإستخلاص الفكر في أشكاله الأقدم، ويبدو أنه حتى مع توفر المدونات والوثائق التي تغلب عليها الرسوم والكتابات الهجرية والطينية في آثار الحضارات القديمة عموماً، فإن الباحث ما زال يواجه صعوبات كثيرة لعدم كفاية المعلومات وتبعثرها وعدم إتصالها.

ومهما يكن من أمره، فإنه لم تقف محاولات البحث في مسار التفكير الإنساني عبر التاريخ، من خلال الإستفادة مما توفر من وثائق ومستندات بكل أنواعها، ويأتي هذه الكتاب ليشكل دراسة بحثية تناولت الفكر منذ عهود سبقت التخصص العلمي بزمن طويل، حيث تمت مناقشة تيارات فكرية متباينة من مجالات فلسفة ودينية وإجتماعية وسياسية وأثرية وقانونية وإقتصادية وأنثروبولوجية وبيولوجية وغيرها، وذلك ضمن توجه شمولي أنثروبولوجي أعطاه الباحث من إهتمامه قدراً أكبر مما منح الإختصاصات والمجالات.

وأما المنهجية هذا الكتاب بفصوله السبعة فهي تأتي في إطارها العام متماشية مع تسلسل أحداث التاريخ الفكري من الأقدم إلى الأحدث، لذا اسُتهلّ البحث بفصل عن الفكر الخرافي والأسطوري والسحري، الذي مثل الصفحة الأولى في مسيرة الفكر الإنساني، وفي الفصل الثاني كان التركيز على الفكر الفلسفي اليوناني، مع توضيح أهم الإتجاهات الفلسفية من خلال كبار الفلاسفة الذين تربعوا على عرش الفكر اليونان القديم.

ومن الطبيعي أن يتصدر أسماء كل من سقراط وأفلاطون وأرسطو أسماء الزعامة الفلسفية اليونانية، فكانت لهم الحصة الأكبر في هذا الفصل، وثم تخصيص الفصل الثالث للفكر العربي الإسلامي وثم إختيار بعض أسماء لمفكرين مبدعين بالنظر إلى أهميتهم النسبية الكبيرة في مجمل الفكر العربي الإسلامي، ويصدق ذلك على ابن خلدون وابن رشد والغزالي والفارابي والجاحظ والرازي بالإضافة إلى الفكر الإعتزالي وألمع مفكرية.

بالإضافة إلى ذلك تم في نهاية في هذا الفصل تناول نخبة من رموز الفكر العربي الحديث، وتوضيح أبرز توجهاتهم ومواقفهم بخصوص تفاعلات الإنسان مع واقع زمانهم، فضلاً عن تدريبهم حركة الإصلاح الإجتماعي ولإظهارهم قدراً ملموساً من العقلية المتنورة وبعض التعاطف مع بعض عناصر الحداثة والتجريد.

وكُرّس الفصل الرابع للفكر الأوروبي المسيحي وأهم أعلامه الذين ناقشوا مختلف جوانب اللاهوت وعلاقتها بحركة المجتمع، ثم ليتم تخصيص جزء من هذا الفصل لعرض وتحليل فكر الكتّاب الذين مثلوا حركة الإنارة الفكرية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، أما الفصل الخامس فقد تمحور حول هيمنته العقلانية والوضع الفكري والشيعي في معظم الكتابات التي غطت النصف الأول من القرن التاسع عشر، وتضمن الفصل السادس مناقشة حركة التطور الدارديني في أشكالها وصيفها الفكرية المتعددة، كما ثم تحليل بعض الإتجاهات الفرعية التي تبعت من هذه الحركة وإمتداداتها إلى معظم الحقول العلمية والفكرية ومنها علم النفس والأنثروبولوجيا والإجتماع والآثار وعلوم الحياة وغيرهما.

وجرى في الفصل السابع تحليل الخطى الجدية التي خطاها الفكر نحو بدايات التخصص العلمي وما صاحب ذلك من بزوغ الفروع الرئيسة لعلم الأنثروبولوجيا الحديثة، وبعض المحاولات المدنية لمشاهير روادها، فضلاً عن التطرق إلى بداية بزوغ بعض فروع الأنثروبولوجيا، إلى جانب الأضواء التي تم تسليطها على الواقع الحديث لهذا التخصص، وبعض محاولات الكتّاب التأسيس للهوية الأكاديمية المتميزة لهذا العلم عن العلوم الأخرى.

3,000.00 د.ج

التصنيف: الوسم:

Reviews

There are no reviews yet.

Be the first to review “رحلة الفكر الإجتماعي”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *