Look Inside

موسوعة القانون الدولي الإسلامي جزء 1 مبادئ القانون الدولي الإسلامي

عدد الصفحات : 472 صفحة

يَعْتَقِدُ فُقَهَاءُ القَانُونِ الدُّوَلِيِّ الْمُعَاصِر بِأَنَّ جُذُورَ هَذَا القَانُونَ تَعُودُ إِلَى تَطْبِيقَاتِ الدُّوَل الْغَرْبِيَّةِ الَّتِي لَهَا الْفَضْلُ فِي وَضْعِ القَوَاعِدِ الْحَالِيَّةِ، وَأَنَّ قَوَاعِدَهُ مُصْطَبغةٌ بِالدِّيَانَةِ الْمَسِيحِيَّةِ. وَقَدْ تَطَوَّرتْ هَذِهِ القَوَاعِد إِلَى أَنْ وَصَلَتْ إِلَى شَكلِهَا الْحَالِيِّ. وَإِذَا مَا تَتَبَّعْنَا جُذُورَ القَانُونِ الدَّوْلَيِّ، فَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أنَّهَا ظَهَرَتْ عِنْدَمَا ظَهَرَتْ أَوَّل دَوْلَتَينِ فِي التَّارِيخِ الإِنْسَانِيِّ ونَشَأَت بَيْنَهُمَا عِلاَقَات سلْمِيَّة، أَوْ عِلاَقَات حَرْب. فالعِلاَقَاتُ السِّلْمِيَّةُ والحَرْبِيَّةُ بَيْنَهُمَا تُعَدُ هِيَ الجُذُور الأُولَى لِلْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ سَوَاء أَكَانَتْ مَكْتُوبَةً أَمْ عُرْفِيَّةً. وَالْبَحْثُ فِي جُذُورِ القَانُونِ الدَّوْلَيِّ، يتَطَلّبُ مَعْرِفَةَ ظُهُور أَوَّلَ دَوْلَتَينِ فِي التَّارِيخِ الْبَشَرِيِّ. وَلَيْسَ مِنْ شَكِ، بِأَنَّ أَوَّلَ ظُهُور لِلدَّوْلَةِ، كَانَ فِي الْوَطَنِ العَرَبِيِّ مُنْذُ آلافِ السِّنِينَ، سَوَاء أَكَانَ بِشَكْل دَوْلَةٍ مُنَظَّمَةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهَا، كالْحَضَارَةِ السُومَريِّةِ والْبَابِلِيَّةِ والْآشُورِيّةِ والْفِرْعَوْنِيَّةِ والحميريَّةِ والقتبانِيَّةِ والسَبئيَّةِ، أَمْ بِشَكْلِ كِياناتٍ سِيَاسِيَّةٍ وَقَانُونِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ كالْقَبَائِلِ وَالْمُدُنِ الْكَبِيرَةِ الحَصِينَةِ. وَمِنَ الثَّابِتِ بِأَنّ عِلاَقَاتٍِ مُتَنَوعةً قَامَتْ بَيْنَ الكِيَانَاتِ الْمُعَاصِرَةِ مَعَ بَعْضِهَا كَالأَحَْلافِ والعِلاَقَاتِ التِّجَارِيَّةِ، أَوِ الْحَروبِ، مِمَّا شَكلتْ قَوَاعِدَ تَعَارَفَتْ عَلَيْهَا بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ طَبِيعَةِ هَذِهِ القَوَاعِدِ وعَدَالَتِها، سَوَاءً أَكَانَ فِي حَالَةِ السِّلْمِ أَمْ فِي حَالَةِ الحَرْبِ. فَالقَانُونُ الدُّوَلِيِّ يُنَظِمُ حَالَةَ الحَرْبِ كَمَا يُنَظمُ حَالَةَ السِّلْمِ. وَشَهدَ العَرَبُ فِي العَصْرِ الإِسْلاَمِيِّ، أَوَّل مَفْهُومٍ لِلدَّوْلَةِ عَاصِمَتها المَدِينَة، فِي الحِجازِ، وَتَلتهَا الكُوفَةُ فِي الْعِرَاقِ، ثُمَّ دِمَشْقَ فِي العَهْدِ الأموِيِّ، وَبَغدَادَ فِي العَهْدِ العَباسِي، وإسْطَنبُولَ فِي العَهْدِ الْعُثْمَانِيِّ. وَقَدْ قَامَتْ عِلاَقَاتٌ مُتَطُورةٌ بَيْنَ الدُّوَل الإِسْلاَمِيَّةِ فِيمَا بَيْنَهَا، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الدُّوَل الأُخْرَى، فِي حَالتِي السِّلْمِ والْحَرْبِ. وَيُمْكِنُ القُولِ إنَّ العَهْدِ الإِسْلاَمِيِّ طَبقَ أرفَعَ القَوَاعِدِ القَانُونِيَّةِ الدُّوَلِيِّةِ الْقَائِمَةِ عَلَى الفَضِيلَةِ وَالإِنْسَانِيَّةِ بِشَكْلٍ لَمْ تألفهَا الدُّوَل الَّتِي سَبَقتْ الإِسْلاَمَ، أَوْ عَاصَرتهُ أَوْ جَاءَتْ بَعدهُ. وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَى هَذِهِ القَوَاعِدِ بالسِّيَرِ والْمَغَازِي، الَّتِي نَظّمتْ القَوَاعِدَ الَّتِي تُطَبَقُ فِي وَقْتَي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ. والجَدِيرُ بالذِكرِ، أَنّ تَسْمِيَةَ القَانُونِ الدُّوَلِيِّ الْعَام، تَسْمِيَةٌ حَدِيثُهٌ. فَلاَ يُوجَدُ حَتَّى الوَقْتِ الحَاضِرِ قَانُونٌ اسْمهُ القَانُونِ الدُّوَلِيِّ الْعَامِّ، كَمَا هُوَ الحَالُ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَانُونِ الْمَدَنِيِّ والْجِنَائيِّ والإداري، فَتَسْمٍيَةُ القَانُونِ الدُّوَلِيِّ الْعَامِّ، تَسْمِيَةٌ وَهْميَةٌ تُطلَقُ عَلَى مَجْمُوعِةِ مِنَ المُعَاهَدَاتِ وَالعُرْفِ الدُّوَلِيِّ الَّتِي تَنْظِمُ العِلاَقَاتَ الدُّوَلِيَّةَ. وَعَلَى الرَغمِ مِنْ إيمَاننَا المُطْلَقُ، بِأَنَّ القَوَاعِد الَّتِي طَبقَتهَا الدَّوْلَةُ الإِسْلاَمِيَّةُ عَلَى مَرِ التَّارِيخِ قَوَاعِد سَمَاوِيَّة لا يُمْكِن مُقَارَنَتهَا مَعَ القَوَاعِدِ الْوَضْعِيَّةِ، إِلا أننَا سَنُحَاولُ إبرَازَ الجَوانبِ الَّتِي غَفلَ عَنْهَا الفِقْهُ الْغَرْبِيُّ، لِكِي نَثْبتُ أَنّ مَا طَبّقَهُ المُسْلِمُونَ مِنْ قَوَاعِدَ قَانُونِيَّة دُوَلِيَّة تَفُوقُ كَثِيراً القَوَاعِدَ الْمُطَبقَةِ حَالياً، عَدَالَةً وَاتِسَاعاً وَشُمُولاً. وَأَنَّ العَدِيدَ مَنَ القَوَاعِدِ الإِنْسَانِيَّةِ الْقَائِمَةِ عَلَى العَدَالَةِ فِي الوَقْتِ الحَاضِرِ كَانَ مَردهَا وَمَرجُعهَا الشَّرِيعَةَ الإِسْلاَمِيَّةَ. وَأَنَّ القَوَاعِدَ الْقَائِمَةَ عَلَى الاحْتلالِ وَالتَدِميرِ كَانَ مَرَدهَا وَمَرجَعهَا التَّطْبِيقاتِ الَّتِي وَضَعتهَا الدُّوَل الْغَرْبِيَّةُ. فَإِذَا كَانَتْ الدُّوَل تَقيمُ عِلاقَاتهَا الدُّوَلِيِّةِ عَلَى أَسَاسِ المَصَالِح الاقْتِصادِيَّةِ، فَإِنَّ الإِسْلاَمَ، أَقَامَ عِلاَقَاتهِ الدُّوَلِيِّةِ عَلَى أَسُس إِنْسَانِيَّة وأخلاقيِّة، هَدَفهَا تَقُويمُ الشَخْصِيَّةَ الإِنْسَانِيَّةَ وَتَنقِيتهَا مَنْ بَراثنِ الْعُبُودِيَّةِ والتَسلطِ والامتِهَانِ، وتَحْرِيرِ الإنْسَانِ مِنْ بَرَاثنِ الظُّلْمِ مِنْ أيةِ جِهة كَانَتْ، بِمَا فِيهَا تَخليصُ الإِنْسَانِ مَنَ الظُّلْمِ الَّذِي يُمَارسَهُ ضِدَّ نَفْسَهِ. وَيَنْبَغِي الإدرَاكُ مُقَدَماً، أَنَّ الإِسْلاَمَ كُلُّهُ قَوَاعِد شَرْعِيَّةٍ لِتَنْظِيمِ عَلاقَةَ الإنْسَانِ بِرَبهِ، يُطْلَقُ عَلَيْهَا بِالعبَاداتِ، وقَوَاعِدُ تَنَظِيم عَلاقَة الإِنْسَانِ بالإنْسَانِ، يُطْلَقُ عَلَيْهَا الْمُعَامَلاتِ، وَقَوَاعِدُ تَتَعلقُ بالإنْسَانِ ذَاتهِ، تُنَظمُ سُلوكَهُ، يُطْلَقُ عَلَيْهَا بالأَخْلاَقِ. وَهَذِهِ القَوَاعِدُ تَنأى مِنْ أَنْ يَتَقبَلهَا الْبَشَرُ بِالْقُوَّةِ، أَوِ بالسِيفِ، بَلْ تَتَطلبُ تَفتِيتَ مَنْظُومَة التَّعَصُّبِ وَالتَّخَلُّفِ والْجَهْلِ وَالْعِزَّةِ بِالإثْمِ. والدُّخُولُ مِنْ هَذَا المَدخلِ يتَطَلّبُ الأمْنَ وَالاسْتِقْرَارَ وَمُحَاكَاةُ العَقْلِ الْبَشَرِيِّ، لاقْتِلاعِ الشَّرِّ مِنْ جِذُورهِ، وَغَرس الإِيْمَان والتَقوى. وَهَذَا مَا يَتنَاقَضُ مَعَ الْقُوَّةِ والفَرضِ. فَالأفْكَارُ لا تُفرضُ عَلَى الْبشَرِ. وَعَلَى الرَّغمِ مِنْ اخْتِلافِ الظُّرُوفِ والتَطَورَاتِ العِلمِيَّةِ الَّتِي يَشْهدُهَا العَالمُ فِي الوَقْتِ الحَاضِرِ، فَإننَا سَنَتَبعُ المَنهَجَ وَالتَبُويب الَّذِي يَتَبعهُ فُقَهَاءُ القَانُونِ الدُّوَلِيِّ الْمُعَاصِر، فِي شَرحِ القَانُونِ الدُّوَلِيِّ الْعَامِّ، بِمَا يُقَابِلهُ فِي الشَّرِيعَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ. لندركَ بِشَكْلٍ وَاضِحٍ الفَرقَ الشَاسعَ بَيْنَ مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ الإِسْلاَمِيَّةُ مَنَ أَحْكَام تَفصِيليِّةٍ، قَائِمَة عَلَى القِيمِ وَالأَخْلاَقِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَبَيْنَ مَا جَاء بِهِ القَانُونُ الدُّوَلِيِّ الْمُعَاصِرُ الْقَائِمَ عَلَى المَصْلَحَةِ والمَنفَعةِ الذَاتِيِّةِ. وَكَمَا يُنَظمُ الفِقْهُ الدُّوَلِيِّ الْمُعَاصِرُ مَبَادِئ القَانُونِ الدُّوَلِيِّ الْعَامِّ، سَنَبدَأ بِتَعْرِيفِ القَانُونِ الإِسْلاَمِيِّ الدُّوَلِيِّ ومَصَادِرِهِ الأَصْلِيَّةِ والمُشْتَقةِ وَالمُسَاعِدةِ كَمَا تَنَاوَلهَا ذَلِكَ شُرّاحُ القَانُونِ الدُّوَلِيِّ الْمُعَاصِرِ.

2,900.00 د.ج

التصنيف: الوسم:

Reviews

There are no reviews yet.

Be the first to review “موسوعة القانون الدولي الإسلامي جزء 1 مبادئ القانون الدولي الإسلامي”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *