موسوعة القانون الدولي الإسلامي جزء 2 القيم الأخلاقية في دبلوماسية النبي محمد عليه الصلاة والسلام
عدد الصفحات : 408 صفحة
الدبلومَاسِيَّة علْم وَفن تَمْثِيل وَإِدَارَةِ العِلاقَاتِ الدُّوَلِيَّة. فَالدبلومَاسِيَّة عِلْمٌ لأنَّهَا تَتَضَمَّن قَوَاعِد ثَابِتةً لا يَدِركهَا إِلا الدَارِسُونَ وَالمُتَخَصصونَ بِهَذَا العِلْم. وَالدِبلومَاسِيَّة فَنٌ، لأنَّهَا لا تمَارس إِلا منْ كَانَ يَتَمَتَّع بِمُوهبةٍ خَاصَّة تُؤهلَهُ مُمَارَسَتهَا. وَأَصْبَحَتْ الدبلومَاسِيَّةَ سِمةَ الشَخْصيَّةِ الْعَالِيةِ الَّتِي يَتَمَتَّع بِهَا الشَخْص فِي إدَارَةِ عَائِلَتهِ وَتَنْظِيمِ عِلاقَتهِ بِأَصْدِقَائهِ، وَإِدَارَةِ عَمَله وَممَارَسَةِ حِرفَتهِ، وَتَنْظِيمِ عِلاقَتهِ بالْمُجْتَمع. فهِيَ قِيَمٌ وَأَخْلاقٌ وَتعَاملٌ، وَابتسَامةٌ، وَفِهم المُقَابلْ، وَتَقَدْير الموَاقفِ، وَإدرَاك السرَائرِ، وَكَظم الغَيظِ، وَإيصَال المطلوب بِحْكمَةٍ وَرَويةٍ. وَإِذَا كَانَتْ الدِبلومَاسِيَّة مُصْطَلَحاً غَربياً لَمْ تسْتعْمِلهُ العَرَبُ، إِلا أَنَّهُمْ سَبروا مفَاهِيمهَا الْخَاصَّة. وَعَرفُوا قَوَاعِدهَا قَبْلَ أَنْ يَعرفهَا الْغَرْب بالآلاف من السِنِين. فَنَظمُوا الْعَلاقَة بَيْنَ أركَانهَا الثَّلاثَة، الْمُرْسل وَالرِسَالَة وَالْمُرْسَل إِلَيْهِ. فَاخْتِيَار الرَّسُول، تَعُود لِحِكمَةِ الْمُرْسل باخْتِيَارِ مَنْ هُوَ القَادر عَلَى حَمْلِ الرِسَالَة. وَقَدْرةُ الرَّسُول عَلَى إيصَالِ مَا كُلف بِهِ، وَقَدْرته عَلَى شَرْح مَضْمُونهَا وَالْمُحَافَظَة عَلَى أهدافهَا بِالشّكل الَّذِي يحقق أهدَافهَا ويوصل ما انْطوتْ عَلَيْهِ. والإِسْلامُ رِسَالَةٌ مِنَ اللَهُ تَعَالَى إِلَى النَّاسِ كَافَّة يَحْمِلَهُا النَّبِيّ مُحَمَّد ، يَتَوَلَّى إيصَالَ نصُوصهَا، وَشَرحَ مَضْمُونهَا. وَتَتَضَمَّنُ هَذِهِ الرِسَالَةُ مَنهَجاً وَاسعاً لِحَيَاةِ الْبشَر، وَالتَنْظِيم الإِنْسَانِيّ. بتَنْظِيم عَلاقَة الإِنْسَانِ بخَالِقهِ، وَعَلاقَة الإِنْسَانِ بالإِنْسَانِ، وَعَلاقَة الإنسان بنفسه. وَقَدْ تَوَلَّى اللَهُ تَعَالَى تَنْزِيهَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ مِنْ أدرَانِ الْجَاهِلِيَّة، بِعِلوِ خُلقهِ وَحُسْن خِلقَتهِ وَكَمَالها، وَبْناء شَخْصيَّتِه وفق مَنهَجٍ رَبَانِي كَبِيرٍ. فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ مُحَمَّد أجُودَ النَّاسِ كَفاً، وَأشرَحَهُمْ صَدراً، وَأصْدقَهُمْ لَهْجَةً، وَألْيَنهُمْ عَرِيكةً، وَأكرمَهمْ عِشرةً، مَنْ رَآهُ بَديهة هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطهُ مَعْرِفَة أحبَّه، فَقَدْ أغَاثَ اللَهُ تَعَالَى بِهِ الْبَشَرِيَّة المُتَخَبطَةَ فِي ظُلمَاتِ الشِّرْكِ وَالْجَهْل وَالخرَافة، فكَشْفَ بِهِ الظّلمَةَ، وَأذهبَ الغُمَةَ، وَأصلح الأمَّة، وَصَارَ هُوَ الإمَامُ المُطْلَق فِي الَهُدَى لبْني آدَم وَآخِرهِمْ، فَهَدَى اللَهُ بِهِ مِنَ الضْلالةِ، وَعلّمْ بِهِ مِنَ الجهَالةِ، وَأرشْدَ بِهِ مِنَ الغُوَايةِ، وَفَتَحَ بِهِ أعْيناً عَميَا، وَآذاناً صَمَا، وَقلُوباً غُلفَا، وَكثَّر بِهِ بَعْد القِلةِ، وَأعزَّ بِهِ بَعْد الذِلةَ، وَأغنى بِهِ بَعْد العِيلةِ. عرّف النَّاسَ ربَّهمْ وَمَعْبُودَهمْ غَايَة مَا يُمْكِنُ أَنْ تَنَالَهُ قُوَاهمْ مِنَ المَعْرِفةِ، وَلَمْ يَدَعْ لأمَتهِ حَاجةٍ فِي هَذَا التَعرِيفِ، لا إِلَى مَنْ قبْله، وَلا إِلَى مَنْ بَعْدِهْ، بَلْ كَفَاهمْ، وَشَفَاهمْ. فَكَانَ النَّبِيُّ عَارفاً بِأَحْوالِ العَرَبِ، سَابراً أغُوَارَ مِحَنِهِمْ، قَادِراً عَلَى مُعَالجَةِ عِللَهم، عَالماً بِدقَائقِ أَحْوالَهم، مُطَلعَاً عَلَى مِحَنِهِمْ وَمُعَانَاتِهِمْ. لَهذَا فَقَدْ نَجَحَ فِي حَملِ رِسَالَة الخَالقِ إِلَى الأمَّةِ، بأسْلوبٍ حَضَارِي. وَتُمثلُ شَخْصيَّة الرَّسُولِ الْقَيم الدِبلومَاسِيَّةَ الْحَضَاريَّةَ الْقَائِمَةَ عَلَى الأخْلاقِ وَالفَضِيلَةِ وَالْقيمِ الإِنْسَانِيَّةِ. فَاجْتَمَع فِيهِ حُسْن الخُلقِ، وَنفَاذِ الشَخْصيَّةِ، وَحُسْنُ الطوِيةِ فِي كَسبِ مَودةِ العَرَبِ وَالنَفَاذ إِلَى قُلُوِبِهِمْ، وَقلع الشِّرْك المُتأَصل مِنْ جُذُورهِ. فَبَدأَ مِنْ أطراف الْمُجْتَمعِ وَعَامةِ النَّاسِ، فِي نَشْرِ الرِسَالَةِ ليَصعدُ بِهَا إِلَى القِمَةِ. فبدأ بالْفُقَرَاءِ لأنَّهُمُ مَادةَ الرِسَالَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَمِنْ ثُمَّ إِلَى أعَالي الْقَوْم، بَدأَ بِمَكَّةِ لأنَّهَا مَعبد الأوثَانِ وَعقَال الشِركِ، ليَهزَ الظُّلم فِي عَقرِ دَارِهِ، سَالكاً أسلُوبَ التَرفَعِ وَالإباءِ وَعَدَمَ مهَادنةِ الْبَاطِلِ، وَالسِير باتجَاه الْعَدْل، وَإحقَاقِ الْحَقّ بِكُل جَوَانِبهِ. وَنَحنُ نَسْتَخْدِمُ الْمُصْطَلَحَاتَ الْحَدِيثةَ، لا يَعنِي قُصُور الشَّرِيعَةِ الإِسْلامِيَّةِ، بَلْ لتَقْريبِ مَوْضُوعاتٍ مِنْ ذِهنِيةِ القَارئ الْكَرِيمِ، وَالتعَاملُ فِي ضَوْء الْعَصْرِ الرَاهنِ وَمَا يَحْمِلَهُ مِنْ معَانٍ وَمُصْطَلَحَاتٍ. فَالَهُدَف مِنْ هَذِهِ الدِّرَاسَةِ هُوَ تَوضِيحِ دِبلومَاسِيَّة النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، مَعَ الإلمَامِ بالقَوَاعِدِ الدِبلومَاسِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ وَمُقَارَنَتهَا مَعَ أَحْكَامِ الشَّرِيعَة الإِسْلامِيَّةِ فِي هَذَا الْمَجَال. وَسَنَتَنَاوَل، شَخْصيَّةَ النَّبِيِّ القَانُونِيَّةِ بِوَصفهِ رَسُولاً مِنَ اللَه إِلَى النَّاسِ كَافَّة، يَحْمِلُ رِسَالَةً وَهي الإِسْلامُ، وَمُوَاصَفَاته الدِبلومَاسِيَّة الَّتِي يَتَمَتَّعُ بهَا، وَالتِزَامه بِحَملِ الرِسَالَةِ وَنَشرهَا لِلنَّاسِ كَافَّةٍ، وَتَنَظِيمُ العِلاقَاتِ الدُّوَلِيَّة الَّتِي حَصَلتْ فِي عَهْدهِ، وَالْمُعَاهَدَاتِ الدُّوَلِيَّة الَّتِي عَقَدْهَا النَّبِيُّ ، وَتَسْوِيَة المنِّازَعَاتِ الدُّوَلِيَّةِ، وَالحَصَانَاتِ وَالامْتِيَازاتِ الَّتِي يَتَمَتَّعُ بهَا الرُّسُل.
موسوعة القانون الدولي الإسلامي جزء 4 مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام
عدد الصفحات : 416 صفحة
الإسْلامُ دِينُ فَضِيلَةٍ وَرَحْمَةٍ، جَاء لِيُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأخْلاقِ للإنْسَانِ، وَيخَلصهُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الإنْسَانِ للإنْسَانِ، وَمِنْ ظُلْمِ نَفْسِهِ، وَظُلْم مَنْ يَحكمُه. يَقْتَلِع الرَّذَائِل مِنْ جُذُورِها، وَيَقْمَع الشَّرّ فِي مَكامِنه، وَيُحَرِّم الإبَادَة وَالْقَتْل وَالتَّعْذِيب مِنْ أَسَاسَه، وَيفَتت عَوَامِل التَّمْيِيز بأشْكَالِهِ، ويُحَرِّر الإنْسَان مِنْ عِقَالِ التَّخَلُّفِ وَالْعُبُودِيَّةِ. وَلِكَيْ يَدْخُلُ الإنْسَانُ بَابَ الرَّحْمَةِ وَالعَمَلِ الإنْسَانيِّ، حَدَّدَ الإسْلامُ الْحُقُوقَ وَالْوَاجِبَاتِ، فَكُلُّ فَرْدٍ يَعْرِف مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ، فَيَقِف فِي الحُدُودِ الْمَرْسُومَة لَهُ دُون تَجَاوُز، لا عَنِ طَرِيقِ إِعْلان عَالَمِيْ يَسترْحِم الظَّالِم اللُّطْف بضَحِيتهِ، ويناشد الْمُسْتَكْبِر الْحَدّ مِنْ إِيغَالِه، وَيَرْجُو مِنَ الحَاكِم الْمُسْتَبِدّ التَّخْفِيف مِنَ الانْتِقَام برَعِيَّتهِ ، وَإِنَّمَا بتَشْرِيعِ رَباني حَدَّد الحُدُود وَمَنْع التَّجَاوُز ووَضَع الْعِقَاب الصَّارِم بِحَقِّ مِنْ تَجَاوَز عَلَى الإنْسَان فِي أَيِّ حَقّ مِنْ حُقُوقِه، وَشَرَّع الثَّوَاب عَلَى عَمِل الْخَيْر وَإِحْقَاق الْحَقّ، وَيُجَازِي عَلَى الإحْسَان بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَغَرْس الْقِيِّم وَالأخْلاق الْفَضِيلَة، وَترصِين ثَقَافَة التَّسَامُح بَيْنَ الْبَشَرِ، وَقَبُول الْآخِرِ بِصَرْفِ النَّظَر عَنِ جِنْسِه وَلَوْنِه وَأُصُولِه وَقَوْمِيَّتِه. وَالإسْلامُ شَرِيعَةٌ مُتَكاملةٌ جَاءَتْ مِنْ أَجْلِ إِنْقَاذ الْبَشَرِ مِنْ أَدْرَانِ الرَّذَائِلِ وَالْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ وَالرُّقَي بِهِ إِلَى الْقِيَمِ السَّمَاوِيَّةِ الْعُلْيَا، لِتُخَلِّصِ الإنْسَانَ مِنَ الظُّلْمِ والتَّعَسفِ. فَلَمْ تلغَ عَادَات وَقِيم العَرَب كُلُّهَا بَلْ ألغت السَّيِّئ مِنْهَا وَأبقت عَلَى مَا وَهُوَ جَيِّد. لِهَذَا جَاء الإسْلام لِيُتَمِّمَ مَكَارِم الأخْلاق، بأكمل صُوَرِهَا وَيُقُومُ شَخْص الإنْسَان عَلَى أَسَاسِ الْفَضِيلَةِ. فَقَدْ جَاءَ الإسْلامُ للحَدِ مِنَ الظُّلْمِ وَالتَّعَسُّفِ وَحِمَايَةِ الضَّعِيفِ، فَوَضَع القَوَاعِد الشَّرْعِيِّةَ لِحَيَاةِ الإنْسَانِ وَمَنْع الاعْتِدَاء عَلَيْهِ، وَتَنظِيمُ حَيَاتِهِ المَالِيَّة وَالاجْتِمَاعِيَّة، بِإِحْقَاق الْحَقّ وَإِقَامَة الْعَدْل. وَقَدْ رَفَعتْ الشَّرِيعَةُ الإسْلامِيَّةُ شِعَاراً كَبِيراً، مَفاده ” الأمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَر ” وَتِلْكَ القَاعِدَة تَعُدْ الإطار الَّذِي يَعْمَل الإسْلام مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِه. فَجَاء الإسْلام بالحُكْم الشَّرْعِيِّ الْوَاجِب الأتْبَاع، وَالعُقُوبَة الْمُتَرَتِّبَة عَلَى الْمُخَالَفَة، وَالْجِهَة الْقَضَائِيَّة الَّتِي تُحَدِّد الْمُخَالَفَة وتفرض العُقُوبَة. كَمَا جَاء بنِظَام الثَّوَاب لِيكرمَ كُلّ مِنْ يَعْمَلِ عَلَى الْقِيِّمِ الإنْسَانيَّةِ، وَيَرْحَم أَخاه الإنْسَان بِالْعَطَاءِ وَالْمَغْفِرَة وَالتَّسَامُح. وَإِذَا مَا تَصْفَحنَا الْقُرآَنَ الْكَرِيمَ، وَاسْتَعْرَضنَا الأحَادِيثَ النَّبَوِيَّةَ الشَرِيفَةَ، فإِنَّنَا نَجدُ أَنْ كُلَّ آيَةٍ وَحَدِيثٍ جَاءَت لحِمَايَةِ الإنْسَانِ، مِنْ ظُلْمِ السُّلْطَةِ، وَظُلْم الْآخَرِينَ، وَظُلْم نَفْسِه، بِمَا فِيهَا الْآيَات الخَاصَّة بالحَرْبِ أَوِ القِتَال، فَهِيَ مَحكُومة بالْفَضِيلَةِ وَالإنْسَانيَّة، وَمُحَدِّدَة بحَدِّودَها. وَتَعُدُ دَائِرَةُ الْعَدْلِ مِنْ أهمِّ الدَوائِرِ الَّتِي يَدُورُ الإسْلامُ فِي دَاخِلِهَا. فَالْعَدْل أَسَاس المُلك وَأَسَاس الحَيَاة الْبَشَرِيَّة وَالتَّعَامُل بَيْنَ الْبَشَرِ. إِذْ نَظَّم الإسْلام عَلاقَة الإنْسَان بِرَبِّه، وَهَذِهِ العِلاقَة وَإِنْ كَانَتْ عَلاقَة بَيْنَ الْخَالِق وَالْمَخْلُوق، وَلَكِنَّهَا وُضِعَتْ لإدَامِة العِلاقَة بَيْنَ الإنْسَان وَالإنْسَان، فالصَّلاة تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر. وَهَكَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَاتِ الأخْرَى، فًجَمِيعها لإسْعَادِ الإنْسَان وَالرَّحْمَة بِهِم. فَلا حَقّ دُون عَدْل، وَلا عَدْل دُون أَنْ يَحمي الْحُقُوقَ. وَمِنْ أَجْلِ أَنْ نَضَع قَوَاعِد حُقُوق الإنْسَان فِي الإسْلام، فِي مَوْقِعِهَا الْحَقِيقِيّ، يَتَطْلَّب مِنَّا مقارنتها مَعَ قَوَاعِد حُقُوق الإنْسَان الْمُعَاصِرَة، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مقارنة مَعَ الفارق، لَكِنَّهَا تُوَضِّح الْبَوْنَ الشَّاسِعَ بَيْنَ مَا وَضَع الإسْلام مِنْ قَوَاعِد تنظم العِلاقَة بَيْنَ الْحَاكِم وَالْمَحْكُوم، وَجَعَلَت الأوَّلُ فِي خِدْمَة الْآخِرِ، وَمَا أنتجه الْغَرْب مِنْ قَوَاعِد كَانَتْ مِنْ نِتَاج الصِّرَاع بَيْنَ الْحَاكِم وَالْمَحْكُوم. وَمِنْ الْمُؤَكِّد أَنَّ الإسْلام نِظَام متكَامِل لَهُ مُصْطَلَحَاته الخَاصَّة بِهِ، الَّتِي تَخْتَلِف كُلِّيًّا عَنِ مُصْطَلَحَاتِ حُقُوقِ الإنْسَانِ الْمُعَاصِرَةِ، وَلكِنْنَا سَنَسْتَعْمِل الْمُصْطَلَحَاتَ المُطَبَّقَة حْالِياً مِنْ أَجْلِ تَقْرِيبها مِنْ ذهن القارئ الَّتِي تَعَوَّد عَلَيْهَا، لِتَكُون المُقَارَنَة بَيْنَ النِّظَامِيَّن مُؤَدِّيَة لأغْرَاضِها، وَوَاضِحَة الْمَعَالِم وَالأهَدَاف.
موسوعة القانون الدولي الإسلامي جزء 5 العلاقات الدولية الإسلامية
عدد الصفحات : 336 صفحة
لا يُمْكِنُ لأيَةِ دَوْلَةٍ أَنْ تَعِيشَ بِمَعْزِلٍ عَنِ الدُّوَلِ الأخْرَى مَهْمَا كَانَتْ تِلْكَ الدَّوْلَة تَمْلِكُ مِنَ المَوَارِدِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالقُدْرَاتِ الاقْتِصادِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ أَنْ تَعِيشَ وَتَتَطَوَّر دُونَ أَنْ تَتَعَامَل مَعَ دُوَل أُخْرَى. فَالعِلاقَاتُ الدُّوَلِيَّة ضَرُورَةُ حَتمِيَّة لأيَةِ دَوْلَة. فَالدُّوَلُ الَّتِي كَانَتْ قَدْ بنت جِدَاراً حَدِيدِياً وَرَفَضَتْ التَّعَامُل مَعَ دُوَلٍ أُخْرَى، فَإِنَّهَا كَانَتْ مَجْمُوعَةً مِنَ الدُّوَلِ، وَلَيْسَتْ دَوْلَةً وَاحِدَةً، وَمَعَ ذَلِك فَقَدْ انْهَار هَذَا الْجِدَارِ وَأَقَامَت عِلاقَات دَوْلِيَّة حَتَّى مَعَ أَعْدَائِهَا، تَحْتَ شِعَار التَعَايش السِّلمِيّ. وَعِنْدَمَا ظَهَر الإسْلامُ كدَوْلَة فِي المدينَةِ الْمُنَوَّرَة لأوَّلِ مَرَّة، لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ دَوْلَة أُخْرَى فِي الجَزِيرَة العَرَبِيَّة قَرِيبَة مِنْ دَوْلَةِ المدينَةِ. وَكُلّ مَا كَانَ مَوْجُوداً حَوْل المدينَةِ مَجْمُوعَة مِنَ القَبَائِلِ العَرَبِيَّة. وَكَانَ الْقِسْمُ الشَّرْقِيُّ مِنَ الوَطَنِ العَرَبِيِّ يَخضعُ للاحْتِلالِ الْفَارِسِيّ، أَمَا الشَام وَشَمَالِ أَفْرِيقْيَا فَقَدْ كَانَت خَاضِعةً للاحْتِلالِ الرُّومَانِيِّ أَوِ اليُونَانِيِّ. ويُنَظم القَانُونُ الدُّوَلِيُّ الْعَامُّ العِلاقَاتُ الدُّوَلِيَّةَ بَيْنَ الدَّوْلِ فِي وقتي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ. فَعِنْدَمَا تَكُون العِلاقَات سِّلْمِيَّة بَيْنَ الدُّوَل، تطبق القَوَاعِدَ السِّلْمِيَّة، وَعِنْدَمَا تَكُون العِلاقَات حَرْبِيَّة، يطبقُ قَانُونُ الحَرْبِ بَيْنَهَا. وَلَمَا كَانَ الإسْلامُ دين رِسَالَة موجهة لِلنَّاسِ كَافَّة، فَإنهُ مِنَ المنطقي، أَلا تَكُون هَذِهِ الرِّسَالَة مَحصُورة بَيْنَ الأوْس وَالْخَزْرَج، إِنَّمَا لابُدَّ مِنَ الانفتاحِ عَلَى الْقَبَائِلِ وَالدُّوَلِ الْمُجَاوِرَة والبعيدة. فَعمد النَّبِيّ عَلَى خَلْق مِنْطَقَة أَمَان حَوْل المدينَةِ، وَعَقْدُ الْعَدِيد مِنَ المُعَاهَدَات مَعَهَا، ثُمَّ بدَأ بالعمل الدِبْلُومَاسِيّ المنظم مَعَ الدَّوْل المتنفذة فِي ذَلِك الْوَقْت وَهِيَ الإمْبِرَاطُورِيَّة الرُّومَانِيَّة وَالإمْبِرَاطُورِيَّة اليونانية وَالإمْبِرَاطُورِيَّة الْفَارِسِيَّة وَالدُّوَل وَالإمَارَات وَالْمَمَالِك العَرَبِيَّة فِي الجَزِيرَة العَرَبِيَّة وَالْقَبَائِل العَرَبِيَّة الأخْرَى. لِهَذَا فَقَدْ قرر النَّبِيّ مُحَمَّد مُرَاسَلَةَ هَذِهِ الدَّوْل بالانضمَام إِلَى الإسْلام. فَأرْسَل الرُّسُل إِلَى جَمِيع هَذِهِ الدُّوَل يَحملون الرَسَائِل للتبليغ عَنِ الدِّين وَالإعْلان عَنْ إِنْشَاءِ الدَّوْلَةِ الإسْلامِيَّة الْجَدِيدَةِ ودعوتها إِلَى دُّخُولِ الإسْلام. وَلَمْ يرث الإسْلام دَوْلَة يَتبع عِلاقَاتها الدُّوَلِيَّة، وَإِنَّمَا أسس دَوْلَة المدينَةِ لتكون نواة الدَّوْلَة الإسْلامِيَّة الشَامِلَة. وَبَعْدَ أَنْ تَوَطدَ الْحُكْم فِيهَا وَتَحْقِيق الأمْن وَالسَّلام فِيهَا، بَدَأَت المَرْحَلَة الثَّانِيَة فِيهَا وَهِيَ تَنَظِيم العِلاقَات الدُّوَلِيَّة لتحْقِيقِ أهَدَافهَا مِنْ خِلالِ ذَلِك. فَكَانَ مَوْقِع الدَّوْلَة الإسْلامِيَّة بَيْنَ أَكْبَر إِمْبِرَاطُورِيَّتين كَبِيرَتَيْنِ، أَوْجَبَتْ التَّوَجُّه صَوْبَهمَا. وَقَدْ أُقِيمَت العِلاقَات الدُّوَلِيَّة بَيْنَ هَذِهِ الكيانات وَالدَّوْلَة الإسْلامِيَّة فِي الْمَجَالات الاقْتِصادِيَّة وَالاجْتِمَاعِيَّة الْعَسْكَرِيَّة وَعَقَدَتْ الْعَدِيد مِنَ المُعَاهَدَات وَأَعْطَتْ الْعَدِيد مِنَ التَعْهَدَات. ثُمَّ بَدَأَت حُرُوبُ التَّحْرِير لتَّحْرِيرِ الأرَاضِي العَرَبِيَّة مِنَ الاحْتِلالينِ الرُّومَانِيّ وَالْفَارِسِيّ، أَصْبَحَ الْوَطَن العَرَبِيّ كُلُّهُ خَاضِعاً لِدَوْلَة المُسْلِمِينَ. وأصبح الْوَطَن العَرَبِّي مُحَرَّراً بِشَكْلٍ كَامِلٍ فِي الصَدرِ الإسْلامِيَ الأوَّل. وَتَطَوُّرت العِلاقَات الدُّوَلِيَّة فِي عَهْد الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، عَلَى الرَغمِ مِنْ أَنَّ الفتن الدَاخِلِيَّة كَادَت تَعْصِفُ بِالدَّوْلَةِ الإسْلامِيَّة. ثُمَّ امْتَدَّت الدَّوْلَة الإسْلامِيَّة فِي عَهْد الدَّوْلَة الأمَوِيِّة لتُجَاوِر الْعَدِيد مِنَ الدُّوَل وَتُصْبِحُ مُترامِيَة الأطْرَاف مِنْ أُورُوبَّا إِلَى الصِّين. فتَطَوَّرت العِلاقَات الدُّوْلِيَّة تَطَوُّراً كَبِيراً. وَأَسْهَمَت الدَّوْلَة الْعَبَّاسِيَّة إسْهَاماً كَبِيراً فِي تَطَوُّرِ العِلاقَاتِ الدُّوْلِيَّة بَيْنَ الدَّوْل الإسْلامِيَّة الَّتِي ظَهَرَت فِي عَهْدها، وَكَذَلِكَ بَيْنَ الدُّوَل غَيْر الإسْلامِيَّة الَّتِي ظَهَرَت عَلَى مسرح الأحْدَاث الدُّوَلِيَّة. وَقَدْ اتسمت تِلْكَ العِلاقَات بِالعِلاقَاتِ السِّلْمِيَّة تَارَة، وبالحروب تَارَة أُخْرَى. وَظهر الْعَدِيد مِنَ الفُقَهَاء المُسْلِمِينَ فِي تِلْكَ الْفَتْرَة يَنْظُمُون قَوَاعِد السِّلْم وَالْحَرْب فِي مُجَلدَاتِ أُطْلِق عَلَيْهَا بالسيْرِ وَالْمَغَازِي، وَالَّتِي أَصْبَحَتْ مَرْجِعاً مُهِماً لِلْمُسْلِمِينَ فِي زمن السِّلْم وَالْحَرْب. وَتَبادَلت الدَّوْلَة الْعَبَّاسِيَّة الْوُفُودُ مَعَ الدُّوَل الْمُعَاصِرَة لتَسْوِيَةِ المنازَعَاتِ بَيْنَهَا. وَبَعْدَ قِيَام الدَّوْلَة الْعُثْمَانِيَّة تَطَوَّرت العِلاقَات الدُّوَلِيَّة تَطَوُّراً كَبِيراً، بِسَبَبِ مُعَاصِرَتها للْعَدِيد مِنَ الدُّوَل الْقَوِيَّة مِمَا اتسم تَارِيخها بِالعِلاقَاتِ الدُّوَلِيَّة السِّلْمِيَّة والْحَرْوب الْعَدِيدَة الَّتِي خاضَتها. وَعَقدت الدَّوْلَة الْعُثْمَانِيَّة الْعَدِيد مِنَ المُعَاهَدَات مَعَ الدُّوَل الَّتِي عَاصرتها، ودخلت الْعَدِيد مِنَ الأحْلاف الْعَسْكَرِيَّة معها، وشَاركت فِي الْعَدِيد من الْمُنَظَّمَات الدُّوَلِيَّة ودخلت الْعَدِيد مِنَ الحَرْوب الدُّوَلِيَّة. وتَبيَّنَ مِمَّا سَبَقْ أنَّ القَانُونَ الدُّوَلِيَّ يُنَظِمُ العِلاقَاتِ الدُّوَلِيَّةِ فِي وقتِ السِّلْمِ وَالْحَرْبِ،
موسوعة القانون الدولي الإسلامي جزء 6 القانون الدولي الإنساني الإسلامي
عدد الصفحات : 352 صفحة
كَانَتْ الحُرُوبُ عَبْرَ التَّارِيخِ سمةَ الدَّوْلَةِ الْقَوِيَّةِ، وَضَمَانَ وُجُودهَا، ووَسِيلَةَ دَيمُومتها، وَطَرِيقةَ بَسْط نُفُوذهَا، وَعنوانَ هَيبَتها. فَكُلُّ طَرَفٍ، يُرِيدُ الْبَقَاء وَحْدَهُ، وبَسْط نُفُوذه عَلَى الآخَرِينَ، وَالْقَضَاءَ عَلَى خُصُومِهِ، فَيَقْطَعُ النَّسْلَ، وَيَقلعُ الْحَرْثَ، وَيُدَمِّر الْعَامِرَ، وَيَغتَصبُ الْحَرَائِرَ، وَيَبقرُ الْبُطُونَ، وَيَسْتَرِق الْمَدَنِيِّينَ الأبْرِيَاء، وَيُصادرُ الأمْوَالَ، وَيُضَمُّ الأرْضَ. تِلْك بِطُولة يُنشدُ لَهَا الشُّعَرَاءُ، وَيُغنِي لَهَا المُغنُونَ، ويَرقْصُ الْمُنْتَصِرُونَ عَلَى أشْلاءِ الْقَتْلَى، وَيَرْتَوِي الْقَادَة نَخب النَّصْر ذَا اللَّوْن الأحْمَرِ. وَيَتَفَاخَر بِهَا رِجَال التَّارِيخ، بِمَا صَنَعَه أَسْلافهمْ مِنْ بِطُولاتٍ فَائِقَةٍ، وَانْتِصَارات عَظِيمَة. فَتِلْكَ شَجَاعَة وَبَسالَة وَبطُولة وَعَدَالَة وَنَصَر. أمَا الصُّلْحُ وَالتَفاوضُ وَالتَنَازَلُ مِنْ أَجْل دَفْعِ الشَّرّ، عُدَّتْ خِيَانَة وَضَعْفاً وَجُبْناً وَتَنَازُلاً. وَلَمْ تَهزْ أشْلاءُ الْقَتْلَى المُتَنَاثرةُ، وَلا أَنِينُ الْجَرْحَى الْمُتَعَالِيَّةِ، الَّذِينَ يَمُوتُونَ مِنْ جَرَّاءِ جِرَاحهمْ وَتَضورهمْ مِنَ الْجُوع، وَيَتْرُكُونَهمْ فِي مَسَارِح الْعَمَلِيَاتِ الْحَرْبِيَّة، طَعَاماً للْوُحُوشِ الضَّارِيَةِ. فَلَمْ يَردْ فِي قَامُوسِ حُرُوبِ الْغَرْبِ، مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ بالرَّحْمَةِ وَالإنْسَانيَّةِ. وَعِنْدَمَا طَفَحَ الْكَيْلُ، بَدَأْ نَزْرٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْغَرْبِيِِّ يَتَحَرَّكُ، صُوَّبَ التَقْلِيلَ لا الرَّحْمَة، وَمُنْذُ عَام 1862، عِنْدَمَا بادر ” هِنْري دُونَانُ ” أَحَدُ سكَانُ جِنِيفِ أَثْنَاءَ زِيَارَتِهِ الْمَيْدَانِيَّةِ فِي سَاحَةَِ مَعْرَكَة “سُولفرِيتُو” فِي مُقاطَعةِ “لُومبَاردِِيَا” إِذْ انْتَصَرَتْ قُواتُ فَرَنْسَا وسَردِينِيَا عَلَى النمْساويينَ. شَاهدَ الآلاف مِنْ الجثثِ وَالْجَرْحَى مَتْرُوكَة فِي سَاحَةِ الْعَمَلِيَاتِ الْعَسْكَرِيَّةِ. فقَرَّرَ إِنْشَاء مُنَظمَة إِنْسَانِيَّة لِلتَّقْلِيلِ مِنْ مُعَانَاةِ الحُرُوبِ وَآثَارِهَا، دُون الْخَوْض فِي أَسْبَابِهَا، أُطْلِق عَلَيْهَا (اللَجْنَة الدُوَلِيَّة لِلصَّلِيبِ الأحْمَرِ). وَعَلَى الرَّغْمِ مِنَ التَّطَوُّرِ الَّذِي يَشْهدُه الْغَرْبُ فِي الْمَجَالاتِ كَافَّة وَعَقْد العَدِيد مِنَ الْمُعَاهَدَاتِ الَّتِي تُوجِبُ الْمُعَامَلَةَ الإنْسَانيَّةَ فِي الحُرُوبِِ، وَتَقَدُّم المَفاهِيم الإنْسَانيَّةُ، وَالعُلُوم التَكنُولُوجِيَّة، وَبرُوز الأفْكَار الْفَلْسَفِيَّة، المُنَادِيَة بِحِمَايَةِ الإنْسَانِ، مِنْ شَرِّ الإنْسَانِ، فَلا يَزَالُ الْغَرْبُ يُمعنُ فِي إِنتاجِ أَفتَك أَنْوَاعِ الأسْلِحَةِ الْمُدَمِّرَةِ، وَيُشنُ أفظعَ الحُرُوبِ لأتفهِ الأسْبَابِ، وَيَقتُلُ الْمَدَنِيِّينَ وَيَعَذِّبُ الأسْرَى وَتُغتَصبُ النِّسَاءَ، مِنْ قَبْلِ دُوَلٍ كُبْرَى متَطَورةٍ تَحمِلُ شِعَارات الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ وَحُقُوقِ الإنْسَانِ. وَتَضُمُّ العَدِيدَ مِنْ جُيُوشِ الدَّوْلِ المتَطَورةَ، فرَقاً يُطْلَق عَلَيْهَا بـ(الْفرَق الْقَذِرَة)، تَضُمُّ الْمُنْحَرِفينَ والمُثليين وَالْمُجْرِمِينَ. مُهمَتها القَتْلُ وَالتَّعْذِيبُ واغْتصَابُ النِّسَاء والرِّجَال عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍِ. وَإِذَا كَانَ الْغَرْبُ هَكَذَا، فَالإسْلامُ نَهجَ نَهجاً إِنْسَانياً خَاصّاً، قَائِماً عَلَى الْفَضِيلَةِ وَالتَّقْوَى وَالإنْسَانيَّةِ. وَلمَا كَانَتْ الشَّرِيعَةُ الإسْلامِيَّة تَتَضَمَّنُ أَحْكَاماً شَرْعِيَّةً تَفْصِيلِيَّةً يَتَطَلّبُ الإيمَانُ بِهَا الأمَان وَالاسْتِقْرَار، تَمْنَحُ الْمُشْرِكَ الْوَقْتَ لِلتَّفْكِيرِ وَالْمُرَاجَعَةِ والموَازَنة والمقَارَنة والقَرَار الصَائبِ وَراحَة النَّفْسِ. فَمِثلُ هَذِهِ الأمُور لا تَأتلفُ وَالْقِتَالُ، بَلْ تَزِيدُهَا نُفُوراً وَتَمرداً وَتَمسكاً بِمَا هُوَ يَعتَقدُ بِهِ، وَتَأْخُذُهُ الْعِزَّة فِي الإثْم. فالإسْلام لَمْ يَقمْ عَلَى حَدِّ السَّيْفِ، وَإِنّ غَايةَ الإسْلامِ هي إنقاذُ الْمُشْرِك مِنْ ظُلْمِ غَيْرِه، وَمِنْ ظُلْمِ نَفْسهِ. وَإِنّ الْهَدَف هُوَ إنقاذُ الإنْسَانَ لا تَدْمِيره، وَنَشْر العَدَالَةَ لا تَقُويِضهَا. فالقِتَالُ فِي الإسْلامِ لا يَقُومُ إِلا للضّرُورة، وَإِنْ قامَ فَإِنهُ مَحْكُومٌ بقَاعدةٍ إِنْسَانِيَّةٍ عَامَّةٍ، أَسَاسُهَا قَوْلُهِ تَعَالَى: ﮋ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﮊ، الَّتِي تُوجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَهُوَ يُلاقي عَدُواً، كَاظَم الْغَيْظ وَالرَّأْفَة. فَمَتَى رَجَع الْبَاغِي عَنْ بغيه سَلمتْ حَيَاتُهِ، وَضَمِنَ آخِرَته، وَكفَاه شَرّ الْقِتَال، وَانَحصر الظُّلْمُ وَانْتَشَرَتْ العَدَالَةُ. فَقَدْ مَنْعَ الإسْلامُ قَتْل الْمَدَنِيِّينَ، وَالأطْفَالَ والنِّسَاءَ، وأوجب المُعَامَلَةَ الإِنْسَانِيَّةَ لأسْرَى الحَرْبِ، وَالْجَرْحَى وَالمَرْضَى وَالرُّهْبَانِ، وَحَددَ أَوْقَاتاً لوَقْفِ الْقِتَالِ وإِنْهَائهِ. وَإِذَا كَانَ الْقَانُون الدُّوَلِيّ الإنْسَانيّ الْمُعَاصِر يَفْتقر إِلَى الَمحَاكم الدُوَلِيَّة لإلزام الدَّوْل عَلَى تَطْبِيق الاتِّفَاقِيَات الدُوَلِيَّة الخَاصَّة بِالْقَانُونِ الدُّوَلِيّ الإنْسَانيّ، فَإِنّ لِلإسْلامِ وَسَائِل قَضَائِيَّة دُنْيَوِيَّة وَوَسَائِل أُخْرَى أخْرَوِيَّة لِمُحَاسَبَة مَنْ تَجَاوَز عَلَى الحُدُود الَّتِي وَضعها الله لِمُعَامَلَةِ بَنِي الإنْسَان. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ المُقَارَنَةَ بَيْنَ قَوَاعِدِ الْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيِّ الإسْلامِيِّ والقانونِ الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيِّ الْمُعَاصِرِ، تُعَدّ مُقَارَنةً مَعَ الفَارقِ، بَيْنَ شَرِيعَةٍ سَمَاوِيَّةٍ مُتكَامِلةٍ وقَانُونٍ وضْعِي مِنْ صُنع البَشَرِ، يُجَسمُ أهوَاءهُ ونَزوَاتهُ، غَيْر أَنَّ الضْرُورةَ تَقتَضِي الالْتِزَامَ بالمنْهجِ العِلْمِيِّ الَّذِي يَعتَمدهُ الْفِقْه الْغَرْبِيُّ فِي دِرَاسَةِ الْقَانُون الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيِّ الْمُعَاصِرَ، لنَتَبينَ الفَارِقَ الْكَبِيرَ بَيْنَ الشَّرِيعَةِ الإسْلامِيَّة وَالأحْكَامِ الْمُطَبقَةِ حَالِياً. وَهَذَا لا يَعْني أننَا ضِدَّ قَوَاعِد الْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيِّ المُعاصِرةِ، بَلْ نَعدُ هَذَا الْقَانُونَ خُطْوَةً مُتَقَدِّمَةً، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْخُطْوَة لا تَزَالُ مُعَوقةُ، تَعترِيهَا النَواقصُ، وَتَتقاذَفها الْهَوَاجِس وَالتَّرَاجُع، وَلَكِنَّهَا فِي جَمِيعِ الأحْوَالِ أَفْضَل مِمَا لا تَكُونُ أَسَاساً. وَسِيَأتي الْوَقْتُ الَّذِي يَشْعُر فِيهِ العَالَم بإِنْسَانِيَّة الإسْلامِ، وَتَفوقهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ القَوَاعِدِ الَّتِي تَحمي الإنْسَان وَتَصونُ كَرَامَته، وتَحَفظُ شَرَفه. وَسَنتّبعُ خُطُوَات الْمَنْهَجِ الْغَرْبِيِّ فِي شَرْحِ قَوَاعِدِ الْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيِّ، نَقتَطفُ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ الإسْلامِيَّة، المَصَادَر الْمُتَنَوِّعَة لِنَجمعهَا فِي مَصْدرٍ وَاحِدٍ لِغَرَضِ الاسْتِفَادَةِ مِنْهَا. وَسَنستَخدمُ الْمُصْطَلَحَات الْغَرْبِيَّة فِي هَذِهِ الدِّرَاسَةِ وَمَا يُقَابلهَا فِي الشَّرِيعَةِ الإسْلامِيَّة. وَنَعتَمدُ دِرَاسَةً مُوجَزَةً لِقَوَاعِدِ الْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيَّ الْمُعَاصِر، كمَدْخَلٍ لِقَوَاعِدِ الْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيِّ الإسْلامِيِّ، لنرى مَوقِع الإنْسَانيَّة الإسْلامِيَّة مِنْ القَوَاعِد الْوَضْعِيَّة المُشّرعةِ وَالْمُطَبقَة فِي الْوَقْت الحَاضِر، بِأُسْلُوبٍ سَهْل، مُبتَعدين عَنِ الآرَاءِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَنَاقِضَةِ، مُخْتَارِينَ القَوَاعِدَ الأكْثَر شُيُوعاً وتَقبلاً لِعَصرنَا. وَطبقاً لِذَلِكَ، سنتَنَاوَلُ مَفْهُومَ الْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيِّ الإسْلامِيِّ، وَنَظَرِيَّة السَّلام فِي الإسْلامِ، وَالْقِتَال الْمَشْرُوعَ وَغَيْرِ الْمَشْرُوعِ، وَمفاهِيمَ الْقِتَالِ فِي الإسْلام،
موسوعة القانون الدولي الإسلامي جزء 7 حقوق الطفل في الإسلام
عدد الصفحات : 344 صفحة
عَلَى الرَّغْمِ مِنَ التَّطَوُّرِ الْكَبِيرِ الَّذِي يَشْهَدُهُ المُجْتَمَعُ الدُّوَلِيُّ الْمُعَاصِرُ فِي مَجَالِ حُقُوقِ الإنْسَانِ، وَعَقْد الْعَدِيدِ مِنَ المُعاهَدَاتِ وَالإعْلانْاتِ، إِلا أَنَّ الأطْفَالَ لا يَتَمَتَّعُونَ بالْعَدِيدِ مِنَ الْحُقُوقِ حَتَّى الُوقْتُ الحَاضِرِ، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِك هُوَ أَنَّ الطِّفْلَ لَيْسَ صَوتاً فِي الانْتِخَابَاتِ الْبَرْلَمَانِيَّةِ لِكَيْ يَحْصُل عَلَى وَعُودٍ بِتَحْسِينِ حَالِهِ. كَمَا أَنَّ الْمُنَظَّمَات الخَاصَّة بِالأطْفَالِ يُدِيرُهَا الكِبَارُ الذِينَ يُعَدُّونَ جُزْءاً مِنَ الْمُشْكَلَةِ الَّتِي يَعَانِي مِنهَا الأطْفَالُ. وَأَسْهَمَتْ الْحُروبُ بَيْنَ الدُّوَلِ الأورُوبِّيَّةِ فِي مُعَانَاةِ الأطْفَالِ. وَلَمْ يَحظَ الطِّفْلُ بِالرِّعَايَةِ وَالاهْتِمَامِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ. فَلا يَزَالُ الْمَلايِينَ مِنَ الأطْفَالِ فِي الدُّوَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَطْفَالاً غَيْر شَرْعِيِّينَ، لا يَتَمَتَّعُونَ بِنَسَبِ الأبُوَّةِ، بِسَبَبِ العِلاقَات غَيْرِ الشَّرْعِيِّةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرَأَةِ، وَلا بِحنَانِ الْعَائِلَةِ، وَلا الارْتِبَاطِ المُجْتَمَعي. وَيَغلبُ عَلَى العِلاقَاتِ الزَّوْجِيَّةِ النَّاحِيَة الْمَادِّيَّة، وَغَالباً مَا يَشتَرطُ الزَّوْجَانِ عِنْدَ الزَوَاجِ عَدَم الإنجَابِ، وَيُفضِّلانِ تَرْبِيَة الحِيوَانَاتِ الْمَنْزِلِيَّةِ عَلَى تَرْبِيَةِ الأطْفَالِ. وَصَدَرَتْ العَدِيدُ مِنَ المُعَاهَدَاتِ وَالُوثَائقِ الدُوَلِيَّةِ لِتَنْظِيمِ حُقُوقِ الطِّفْلِ، إِلا أنهَا لَمْ تُطَبَّقْ مِنَ النَاحِيَةِ الْعَمَلِيَّةِ بِسَبَبِ عَدَمِ وُجُودِ قَوَاعِد قَانُونِيَّةِ تُلزمُ الدُّوَلَ وَالأفْرَادَ بضمَانِ حُقُوقِ الطِّفْلِ وَحمَايَتهِ. لِهَذَا فَإنّ شَرِيحَةَ الأطْفَالِ مِنْ أَكْثَرِ شرَائحِ المُجْتَمَعِ تَعرضاً لآثَارِ المنَازَعَاتِ الْمُسَلَّحَةِ، فغَالباً مَا يَكُونُوا ضَحَايَا الْحُروبِ بِسَبَبِ عَدَم قُدْرَتِهِمْ عَلَى حِمَايَةِ أَنْفُسِهِمْ. تِلْكَ الصُورَة الَّتِي يَعِيشهَا العَالِمُ الْمُعَاصِرُ الْمُتَقَدِّمُ فِي نَظرتهِ للأطْفَالِ، لَمْ تَكُنْ مُوجُودَةٌ فِي الْمُجْتَمِعَاتِ الإسْلامِيَّةِ. فَالْعَلاقَةُ الْقَبليَّةُ وَالْعَائِلِيَّةُ وَالدِّينِيَّةُ تُحَتمُ عَلَى الْعَائِلَةِ الْمُسْلِمَةِ رِعَايَةَ الأطْفَالِ وَحِمَايَتِهِمْ فِي جَمِيعِ الأوقَاتِ. وَجَعَلَ الإسْلامُ الهَدفَ الأسْمَى للعِلاقَاتِ الزَّوْجِيَّةِ أَنْ تَقُومَ عَلَى أَسَاسِ تَكْوِين أَسْرةٍ يَكُونُ فِيهَا الأطْفَالُ المحْورَ الَّذِي يَرْبطُ الزَّوْجَ بالزَّوْجَةِ ويحقق وحْدَة الْعَائِلَةِ وَتَمَاسُكِهَا. وَجَعَلَ مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ قَبْل وَلادَتهِ أَنْ يَختَارَ الرَّجُلُ الزَّوْجَةَ الصَّالِحَةَ الَّتِي تَسْتَطِع أَنْ تُرَبِّي الطِّفْلَ تَرْبِيَةً صَحِيحَةً. وَقَدْ نَظّم الإسْلام حُقُوقَ الطِّفْلِ الضَّعِيفِ، كَالْيَتِيم وَابْن السَّبِيلَ وَالْفَقِيرِ وَابْنِ الرَّقِيقِ وَأَولادِ المُشْرِكِينَ فِي المنَازَعَاتِ الْمُسَلَّحَةِ. وَأقر لهَؤُلاءِ العَدِيدَ مِنَ الْحُقُوقِ بِمَا يَتنَاسَبُ وَحَالَة ضَعْفِهِمْ. ونَظّمتْ الشَّرِيعَةُ الإسْلامِيَّةُ كَيفِيَّة تَرْبِيَة الطِّفْلِ وَمدَى مَسْؤولِيَّةِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالدَّوْلَةِ فِي تَرْبِيَتهِ. وَأَوجَبَ المُسَاوَاة بَيْنَ الأطْفَالِ، وَعَدَمَ تَعَرُّضِهِمْ للقَتْلِ وَالتَّعْذِيبِ وَالحِمَايَة مِنْ الرِّقِّ وَرعَايَتهِمْ فِي المنَازَعَاتِ الْمُسَلَّحَةِ وَحِمَايَتِهِمْ مِنْ أَثَارهَا المدمرة، وَتَسْخِيرُ الْعَائِلَة وَالدَّوْلَة لِحِمَايَةِ الطُّفُولَةِ. إِنّ مَا أَقَرَّهُ الشَّرْعُ الإسْلامِيُّ للأطْفَالِ يَفُوقُ مَا تُقَدمهُ القَوَانِيَنُ الْحَدِيثَةُ فِي العَدِيد مِنَ الَمجَالاتِ. وَمِنْ أَجَلِ ذَلِك فَقَدْ أَفرَدنَا هَذِهِ الدِّرَاسَةَ لبيَانِ حُقُوقِ الأطْفَالِ فِي الإسْلامِ، مَعَ مقَارنتِهَا بِمَا هُوَ مُطَبقٌ فِي الُوقْتِ الحَاضِرِ مِنْ قَوَاعِد قَانُونِيَّة خَاصَّة بِحُقُوقِ الأطْفَالِ فِي القَانُونِ الدُّوَلِيِّ الْعَامِّ. وَسِنْتَنَاوَلُ مَفْهُومَ الطِّفْلِ وَحُقُوقه قَبلَ الوِلادة وَبعَدهَا، وَحقُ التَرْبِيَةِ وَحُقُوقهِ الاجْتِمَاعِيَّةِ وَالإنْسَانِيَّةِ
موسوعة القانون الدولي الإسلامي جزء 8 حقوق امرأة في الإسلام
عدد الصفحات : 360 صفحة
تُعَانِي الْمَرْأَةُ مُنْذُ القِدَمِ، مِنْ وَاقِعٍ قَانُونِيٍّ وَاجْتِمَاعِيِّ مُتَدَنٍ، وَتُعَامَلُ مُعَامَلَةً سَيِّئَةً مِنْ قبل الْعَائِلَةِ وَالدينِ وَالمُجْتَمَعِ وَالدَّوْلَةِ. وَلَمْ تَمْنَحْ الأدْيَانُ الْوَضْعِيَّةُ أَيَة حُقُوق لِلْمَرْأَةِ بِمَا يَتَنَاسَب وَوَضعهَا. وَقَدْ اسْتَمَرَّ هَذَا الْوَاقِعُ قُرُوناً عَدِيدَةً إِلَى وَقْتٍ قَرِيبٍ. وَكَانَتْ الْحروبُ الَّتِي وَقَعتْ بَيْنَ الدَّوْلِ الْغَرْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَبِخَاصَّةٍ فِي الْحَرْبيْن العَالَمِيّتيْن الأولَى وَالثَّانِيَةِ، وَالْحُرُوبُ الدُّوَلِيَّةُ وَالأهْلِيَّةُ الَّتِي شَهدتهَا الْعَدِيدُ مِنْ دُوَلِ العَالمِ، وَمَا لَحقَ بِالْمَرْأَةِ مِنْ قَتْلٍ وَتَعْذِيبٍ وَتَشْرِيدٍ وَاغْتِصَابٍ، الأمْرُ الَّذِي يَتَطَلّبُ الوقُوفَ أَمَامَ هَذِهِ الْحَالَةَ الإنْسَانِيَّةَ وَالعَمَلُ عَلَى حِمَايَةِ الْمَرْأَةِ. فَالْمَرْأَةُ كَانَتْ وَلا تَزَالُ مُحْور الانْتِهَاكَاتِ الَّتِي تَلحَق بِالْبَشَرِيَّةِ مِنْ جَرَّاءِ الأزمَاتِ وَالْحروبِ. وَبِالإضَافَةِ إِلَى ذَلِك فَإِنّ مَا يُصِيبُ الزَّوْجَ وَالابْنَ وَالأبَ وَالأمَّ وَالأخَ يُصِيبُ الْمَرْأَةَ وَيَمسُ حُقُوقهَا. فَهِيَ أَكْثَر المُتَضَررِينَ مِنْ جَرَّاء المنازَعَات الْمُسَلَّحَةِ الدُّوَلِيَّةِ وَالأهْلِيَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. وَقَدْ تَنَبَهَ المُجْتَمَعُ الدُّوَلِيُّ إِلَى وَاقِعِ الْمَرْأَةِ. وَعَلَى الرّغمِ مِنْ عَقْدِ الْعَدِيدِ مِنَ الاتِّفَاقِيَّاتِ الدُّوَلِيَّةِ الَّتِي مَنَحَتْ الْمَرْأَةَ بَعْض حُقوقِهَا، إِلا أَنَّ هَذِهِ الاتِّفَاقِيَّاتِ لَمْ تَجدْ التَّطْبِيقَ الْعَمَلِيَّ لِحِمَايَةِ الْمَرْأَةِ، بِسَبَبِ عَدَمِ وُجُودِ قُوَّةٍ تَنفِيذِيَّةٍ لِهَذِهِ الاتِّفَاقِيَّاتِ، لأنَّ الاعْتِرَاف بالحُقُوقِ الْوَارِدَةِ فِيهَا إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى حِسَابِ الرَّجُلِ الَّذِي يَملكُ المَالَ وَحَق إصْدَارِ القَوانِيَنَ، الأمْر الَّذِي حَرمَ الْمَرْأَةَ مِنَ العَدِيدِ مِنَ الحُقُوقِ. وَعَلَى الرَغمِ مِنْ أَنَّ التَّطَوُّر الَّذِي يَشْهَدُهُ العَالم فِي الْمَجَالاتِ كَافَّةِ قَدْ وَصلَ إِلَى مَرْحَلَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، فَإِنَّ الْمَرْأَة لا تَزَالُ تُعَانِي مِنَ انْتِهَاكِ حُقُوقِهَا، وَلَمْ يُعْتَرفْ لَهَا بِذِمَةٍ مَالِيَّةٍ مُنْفَصِلةٍ، حَتَّى فِي الدَّوْلِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي عَقَدتْ الْعَدِيدَ مِنَ المُعاهَدَاتِ الدُّوَلِيَّةِ وَشَرَعَتْ القَوانِيَنَ الْخَاصَّة بِحِمَايَةِ الْمَرْأَةِ. وَالشَّيْءُ المُفَارقُ لمُتَطلبَاتِ الحَقَائِقِ، هُوَ أَنَّ الأقَلِّيَّاتَ مَهْمَا كَانَ نَوْعهَا هِيَ الَّتِي تُطَالبُ بِحُقُوقِهَا مِنْ طغيَانِ الأكْثَرِيَّةِ حَتَّى فِي الدَّوْلِ العَرِيقَةِ بِالدِّيمُقْرَاطِيَّةِ، بَيْنَمَا تُعَدُّ الْمَرْأَةُ هِيَ الأكْثَرِيَّةُ فِي التِعدَادِ السُكَانِي فِي جَمِيع دُوَلِ العَالمِ، وَلَكِنَّهَا تُعَانِي فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ، مِنَ الاضْطِهَادِ والتَشَردِ والتَرَملِ، والتَّعْذِيبِ، وَكظْمِ الحُقُوقِ وَإهدَارِ الْحُرِّيَّاتِ، وَمِنْ تَسَلطِ الأقَلِّيَّةِ وَهُمْ الرِّجَالُ وَالقَابِضُونَ عَلَى السُّلْطَةِ. وَكَانَتْ الشَّرِيعَةُ الإسْلاميََّةُ قَدْ سَبَقتْ جَمِيعَ الْمُجْتَمِعَاتِ الدُّوَلِيَّةِ فِي حِمَايَةِ حُقُوقِهَا وَضَمَان مُسْتَقْبَلهَا. فَقَدْ وَرَدَتْ الْعَدِيدُ مِنَ الآيَات فِي الْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ، وَالأحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، وَمَا وَضَعهُ فِي ضَوْءِ ذَلِك الْفُقَهَاءُ المُسْلِمُونَ قَدْ ضَمِنَتْ حُقُوق الْمَرْأَةِ بِشَكْلٍ مُخْتَلَف تَمَاماً عَمَا عَلَيْهِ فِي الدَّوْلِ الْمُتَقَدِّمَةِ. فَقَدْ أَقَرَّ الإسْلام لِلْمَرْأَةِ ذِمَةً مَالِيَّةً مُنْفَصِلةً عَن الْعَائِلَةِِ وَعَن الزَّوْج، وَمَنْحهَا الحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ وَالشَخْصِيَّةَ بِشَكْلٍ مُسْتَقِلٍّ وَكَامِلٍ. وَمَنْحهَا حُقُوقهَا الْمَشْرُوعَة سَوَاء أَكَانَتْ مُتَزَوِّجَة أَمْ غَيْرِ مُتَزَوِّجَة. وَأقرَ لَهَا أَهْلِيَّةً قَانُونِيَّةً وَقَضَائِيَّة كَامِلَةً. وَأَمَا فِيمَا يَتَعلقُ بِالْولايَةِ أَوْ الْوِصَايَةِ عَلَيْهَا، إِنَّمَا أُقرتْ لِحِمَايَةِ الْمَرْأَةِ وَعَدَم اسْتِغْلالِهَا مِنْ قبل الآخَرِينَ. فَالْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ تَتَمَتَّعُ بالعَدِيدِ مِنَ الحُقُوقِ الَّتِي أقَرَّهَا القَانُونُ الدُّوَلِيُّ الْعَام، إِلا فِيمَا يَتَعلقُ بِالمسَاسِ بِدِينهَا وَطَبِيعَة المُجْتَمَعِ الإسْلاميِّ، وَالْمُحَافَظَة عَلَى عَفَافِهَا وَشَخْصِيَّتِهَا وَأَدَمِيتهَا. وَسَنَتَنَاوَلُ حُقُوقَ الْمَرْأَةِ الثَّابِتَةِ فِي الشَّرِيعَةِ الإسْلاميََّةِ، دون أَنْ نَعتَمدَ عَلَى مَذهبٍ مُعَيَّنٍ، مَعَ مُقَارَنَتهَا بِمَا هُوَ وَارِد فِي المُعاهَدَاتِ الدُّوَلِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ الإنْسَانِ بِصُورَةٍ عَامَّةٍ، وَمَا وَرَدَ فِي المُعاهَدَاتِ الدُّوَلِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِحُقُوقِ الْمَرْأَةِ بِصُورَةِ خَاصَّةٍ، وَالجُهُودِ الدُّوَلِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِحِمَايَةِ الْمَرْأَةِ
موسوعة القانون الدولي الإسلامي جزء 9 المنظمة الدولية الإسلامية
عدد الصفحات : 392 صفحة
مِنَ التّطَوُّرَاتِ الْحَدِيثةِ للقَانُونِ الدُّوَلِيِّ ظُهُورُ الْمُنَظَّمَاتِ الدُّوَلِيَّةِ، كشَخْصيَّةٍ قَانُونِيَّةٍ دُوَلِيَّةٍ تَعْمَلُ عَلَى حِمَايَّةِ المَصَالِحِ المُشْتَرَكةِ لِلدُّوَلِ الأَعْضَاءِ. فَكَانَتْ الْحُروبُ تَتَوَلَّى تَحْدِيدَ حِمَايَة مَصَالِحِ الدُّوَلِ. فَلَمْ يَعْرِفْ المُجْتَمَعُ الدُّوَلِيُّ الْمُنَظَّمَاتَ الدُّوَلِيَّةَ، إِلا فِي بِدَايَّةِ الْقَرْنِ الْمَاضِي، عِنْدَمَا عَملتْ الدُّوْلُ الْمَسِيحِيّةُ عَلَى تَكَتلاتِ إِقَليمِيَّةِ ضِدَّ بَعْضهَا. ثُمَّ تَطَوَّرَ الأَمْرُ بإِنْشَاءِ مُنَظَّمَةِ عُصْبَةِ الأُمَمِ عَام 1921، خَارِج النِّطَاقِ الأُورُوبِّيِّ، وَضَمَّتْ لأَوَلِ مَرَة دُوَلاً غَيْرَ مَسِيحِيَّةٍ. وَظَهرَ التَّفْكِيرُ بِإِنْشَاءِ مُنَظّمَةٍ دُوَلِيَّةٍ فِي بِدَايَةِ الْقَرْنِ الْمَاضِي أُطْلقَ عَلَيْهَا بِالجَامِعَةِ الإِسْلامِيَّةِ، الَّتِي نَادَى بِهَا بَعْضُ المُفَكرِينَ المُسْلِمِينَ الأَوَائلِ، وَإنْ اخْتَلفُوا فِي أَهدَافِهَا وَمَبَادِئِهَا. وَعَلَى الرّغْمِ مِنْ تَطَوُّرِ الْمُنَظَّمَاتِ الدُّوَلِيَّة عَلَى الصَّعِيدِ الدُّوَلِيِّ، وَبخَاصّة بَعْدَ إِنْشَاءِ الأُمَمِ المُتحِدةِ عَام 1945، وَتُحَرر العَدِيد مِنَ الدُّوَلِ الإِسْلامِيَّةِ، لَمْ يَظْهَرْ التَّفْكِير بإِنْشَاءِ مُنَظَّمَةٍ إِسَلاميَّةٍ تَعَمَل عَلَى حِمَايَة مَصَالِح الدُّوْلِ الإِسْلامِيَّة المُشْتَرَكةِ، إِلا فِي عَامِ 1969، بَعْدَ ارتِكَابِ جَرِيمَةِ حَرق الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، فَتَمَ إِنْشَاءُ مُنَظَّمَة المُؤْتَمَرِ الإِسْلامِيِّ، وَضَمَّتْ أَكْثَرَ مِنْ خَمسِينَ دَوْلَةٍ. وَمِنَ الثَابِتِ أَنّ إنْشَاءَ الْمُنَظَّمَاتِ الدُّوَلِيَّةِ لا يَتِمُّ بقَرَارٍ مِنْ دَوْلَةٍ وَاحَدةِ، بَلْ يَتَطَلّبُ مُوَافَقَةَ العَدِيد مِنَ الدُّوَلِ عَلَى الانْضِمَامِ إِلَى هَذِهِ الْمُنَظَّمَةِ. فَالدُّوْلَةُ خِلال الحُكْمِ الإِسْلامِيَّ غَيْر قَادِرَةٍ عَلَى إِنْشَاءِ مُنَظَّمَةٍ دُوَلِيَّة مَا لَمْ تَتَّفِقْ مَعَ الدُّوْلِ الأُخْرَى عَلَى قِيَام مُنَظَّمَة دُوَلِيَّة تَعَمَل عَلَى حِمَايَة مَصَالِحهَا. وَمُنْذُ فَجرَ التَّارِيخ حَتَّى قِيَام الأُمَم الْمُتَّحِدَة، كَانَتْ الْعَلاقَاتُ الدُّوَلِيَّةُ قَائِمَةً عَلَى الصِّرَاعاتِ العَسْكَرِيَّةِ المُسَلَّحَةِ. وَبِذَلِكَ فَإِنَّ قَرَارَ إِنْشَاءِ الْمُنَظَّمَةِ الدُّوَلِيَّة لا يَقُومُ عَلَى رَغبةِ دَوْلَةٍ وَاحَدةٍ، بَلْ يَتَطَلّبُ تَوَافقَ الإِرَادَاتِ بَيْنَ الدُّوَلِ. وَإِذَا مَا ظَهَرَتْ العَدِيدُ مِنَ الدُّوَلِ الإِسْلامِيَّةِ فِي عَصْرٍ وَاحَدٍ فَمِنَ النَادرِ أَنْ تُقيم عِلاَقَات جَيِّدَة بَيْنها. فبَعْد انْتِهَاءِ الْخِلافَةِ الرّاشِدَةِ، جَاءتْ الْخِلافَةُ الأُمَوِيَّةُ لتَبسطَ نَفْسها كدَوْلَةٍ وَحِيدةٍ فِي العَالَمِ، وَتَبَعتهَا الدَّوْلَةُ الْعَبَّاسِيَّةُ، ثُمَّ الحُكْمُ الْعُثْمَانِيُّ. وَقَدْ شَهِدَ الحُكْمُ الأَخَيْرُ ظُهُورَ العَدِيد مِنَ الدُّوْلِ الأُورُوبِّيَّةِ مِمَّا تَطَلّبَ أَنْ يُقيم عَلاقَاتٍ مَعَها، وَإنْ لَمْ يَتِمْ إِنْشَاء مُنَظَّمَة دُوَلِيَّة تَجْمَع الدَّوْلةَ الْعُثْمَانِيَّةَ وَالدُّوَلُ الأُورُوبِّيَّةَ. وَعِنْدَمَا ظَهَرَتْ فِي أوقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ بَعْضُ الدُّوْلِ الإِسْلامِيَّةِ المُعَاصِرَةِ لِبَعْضهَا، فَإِنَّ الْعَلاقَاتَ بَيْنها لَمْ تَكُنْ عَلَى مَا يُرَامُ. وَإِذَا كَانَ التَّارِيخُ الإِسْلامِيُّ لَمْ يَشَهدْ مُنَظَّمَةً دُوَلِيَّةً كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْوَقْتِ الحَاضِرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَعْنِي عَدَم ظُهُور تَحَالفات بَيْنَ القَبَائِلِ الْعَرَبيَّةِ الَّتِي تُعَدُّ شَكْلاً مِنْ أشْكَالِ التّنْظِيمِ الدُّوَلِيِّ، وَإنْ لَمْ يَصلْ إِلَى مَا هُوَ قَائِمٌ فِي الْوَقْتِ الحَاضِرِ. فَالأَحْلافُ الْقَبلِيَّةُ مُنَظَّمَاتٌ وَلَكِنَّهُا لَيْسَتْ عَلَى مَا هِيَ الْحَالِ فِي الْوَقْتِ الحَاضِرِ. وَكَانَ إِنْشَاءُ مُنَظَّمَة المُؤْتَمَرِ الإِسْلامِيِّ خَيْر دلِيلٍ عَلَى تقبُلِ الإِسَّلامِ لفِكْرةِ إِنْشَاءِ مُنَظَّمَةٍ دُوَلِيَّةٍ تَجْمَعُ الدُّوَلَ الإِسْلامِيَّةَ. كَمَا أَنّ انْضمَامَ جَمِيع الدُّوَلِ الإِسْلامِيَّة إِلَى الْمُنَظَّمَاتِ الدُّوَلِيَّةِ الأُخْرَى خَيْر دلِيلٍ عَلَى تقبُلِ الإِسْلامِ التَعَامُل مَعَ دُوَلٍ غَيْر إِسَلاميَّةِ لِتَنْظِيمِ حِمَايَة مَصَالِحهَا الدُّوَلِيَّةِ. وَبناء عَلَى ذَلِكَ، يُمْكِنُ الْقَوْل إنَّ الإِسَّلامَ يَتقبّلُ إِنْشَاء مُنَظَّمَةٍ دُوَلِيَّةٍ تَجْمَعُ الدُّوَلَ الإِسْلامِيَّةَ، مَعَ غَيْرهَا. وَسَنتَنَاوَلُ التَنْظِيمَ الدُّوَلِيَّ الإِسْلامِيَّ بِدرَاسةِ مُنَظَّمَة المُؤْتَمَرِ الإِسْلامِيِّ، لِكَوْنِهَا الْمُنَظَّمَةَ الإِسْلامِيَّةَ الدُّوَلِيَّة الْوَحِيدَةَ فِي الْوَقْتِ الحَاضِرِ، الَّتِي تُنَظّمُ الْعَلاقَاتَ بَيْنَ الدُّوَلِ الإِسْلامِيَّةِ. وَبِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ الأَحْلافَ الدُّوَلِيَّةَ تُنَظّمُ مِنْ قبلِ مُنَظَّمَاتٍ دُوَلِيَّةٍ، فَقَدْ آثرنَا أَنْ نَتَنَاولَ الأَحْلافَ الدُّوَلِيَّةَ بِشَكل مُوجزٍ. وَمِنْ ثُمَّ سَنتَنَاوَلُ دَعوَات المُفَكرينَ الإِسْلامِيينَ بإِقَامَةِ مُنَظَّمَةٍ إِسْلاَمِيَّةٍ. وَنُخَصصُ الدِّرَاسَةَ لمنَظَّمَةِ المُؤْتَمَرِ،
موسوعة القانون الدولي الجنائي جزء 1 جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية
عدد الصفحات : 400 صفحة
جريمة قتل الإنسان للإنسان، تمتد إلى أغوار سحيقة في التاريخ البشري. فقد تعرض الإنسان خلال الحقب والعصور المختلفة إلى ويلات القتل والتدمير والاغتصاب وإتلاف الأموال. فكان المنتصر يفتخر بأنه أوقع في عدوه الفناء والتدمير والإذلال، فكانت الحرب فخراً وقوة وسطوة، يتلذذ بها الحكام، ويتغنى بها الشعراء والبلغاء، وينصب لها الأفراح والولائم، وينشد المغنون، ويرقصون على أشلاء القتلى. والنصر في الحروب كافة، يقوم على تحقيق الهدف من الحرب، وإن كان ما قدمه المنتصر من ضحايا يفوق ما قدمه الخاسر بأضعاف مضاعفة. فحياة البشر، وكرامته، وإنسانيته لم تكن موضع اهتمام وتقدير عند الحكام. فمن أوغل في القتل والتعذيب والاغتصاب والنهب، سجلت له سجية يفتخر بها المقاتلون. وشهد التاريخ البشري العديد من الحروب والويلات المدمرة، لم تكن لها أهداف معينة سوى الانتقام والتدمير والقتل، أو تشن لأسباب تافهة. وعلى الرغم من ظهور الأديان السماوية، ونداءات الفلاسفة والمفكرين بضرورة الحد من الحروب، وتطبيق القواعد الإنسانية، في المنازعات، والرحمة بالإنسان، وحفظ كرامته، إلا أن البشرية لا تزال تعاني حتى يومنا هذا الويلات المدمرة، والفواجع المستديمة، والانتهاكات المستمرة، فالملايين يقتلون، والملايين يشردون، والملايين يعذبون. وإذا كانت البشرية قد شهدت نهضة علمية وإنسانية وأخلاقية وحضارية، وقيام حكومات ديمقراطية منتخبة، تعبر عن تطلعات المجتمع وتقاليده، وظهور أفكار إنسانية، وبروز قيم الدولة المتحضرة التي تعمل من أجل شعوبها، ورفعها شعارات وإعلانات عالمية، تجسد فيها حقوق الإنسان، ومعاهدات دولية، تدعو جميعها إلى حماية الإنسان وحفظ كرامته، إلا أن الواقع العملي، فرض على الدول جميعها أن تسير باتجاه ابتكار وصناعة أفظع الأسلحة المدمرة وأفتكها. وأصبحت مسألة سباق التسلح، وامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وكأنها ركن من أركان الدولة المتحضرة، وديمومة وجودها، وسر نهضتها، وأسلوب هيمنتها. ولا ينظر لأية دولة من خلال التزامها بالقيم والأخلاق الإنسانية. إنما تفرض مهابتها واحترامها على القدر الذي تملكه من قوة التدمير، ومراوغة التفكير، وهيمنة التقرير، وقدرتها على احتكار الأسلحة المدمرة ومنع غيرها، من أجل أن تتمكن من إدارة السياسة الدولية وتفرض إرادتها على الدول الأخرى. واستخدم التجويع، كوسيلة من وسائل الحرب. فمن ملك السلاح، والمال، ملك الهيمنة السياسية والاقتصادية، وفرض إرادته على الجميع. فكلما تقدم العلم والتكنولوجيا، سبقها تطور هائل في ابتكار أفتك أنواع الأسلحة لتدمير الإنسان بشكل كامل. لهذا قيل أن كل حضارة تحمل عوامل فنائها معها.