موسوعة القانون الدولي الإسلامي جزء 6 القانون الدولي الإنساني الإسلامي
عدد الصفحات : 352 صفحة
كَانَتْ الحُرُوبُ عَبْرَ التَّارِيخِ سمةَ الدَّوْلَةِ الْقَوِيَّةِ، وَضَمَانَ وُجُودهَا، ووَسِيلَةَ دَيمُومتها، وَطَرِيقةَ بَسْط نُفُوذهَا، وَعنوانَ هَيبَتها. فَكُلُّ طَرَفٍ، يُرِيدُ الْبَقَاء وَحْدَهُ، وبَسْط نُفُوذه عَلَى الآخَرِينَ، وَالْقَضَاءَ عَلَى خُصُومِهِ، فَيَقْطَعُ النَّسْلَ، وَيَقلعُ الْحَرْثَ، وَيُدَمِّر الْعَامِرَ، وَيَغتَصبُ الْحَرَائِرَ، وَيَبقرُ الْبُطُونَ، وَيَسْتَرِق الْمَدَنِيِّينَ الأبْرِيَاء، وَيُصادرُ الأمْوَالَ، وَيُضَمُّ الأرْضَ. تِلْك بِطُولة يُنشدُ لَهَا الشُّعَرَاءُ، وَيُغنِي لَهَا المُغنُونَ، ويَرقْصُ الْمُنْتَصِرُونَ عَلَى أشْلاءِ الْقَتْلَى، وَيَرْتَوِي الْقَادَة نَخب النَّصْر ذَا اللَّوْن الأحْمَرِ. وَيَتَفَاخَر بِهَا رِجَال التَّارِيخ، بِمَا صَنَعَه أَسْلافهمْ مِنْ بِطُولاتٍ فَائِقَةٍ، وَانْتِصَارات عَظِيمَة. فَتِلْكَ شَجَاعَة وَبَسالَة وَبطُولة وَعَدَالَة وَنَصَر. أمَا الصُّلْحُ وَالتَفاوضُ وَالتَنَازَلُ مِنْ أَجْل دَفْعِ الشَّرّ، عُدَّتْ خِيَانَة وَضَعْفاً وَجُبْناً وَتَنَازُلاً. وَلَمْ تَهزْ أشْلاءُ الْقَتْلَى المُتَنَاثرةُ، وَلا أَنِينُ الْجَرْحَى الْمُتَعَالِيَّةِ، الَّذِينَ يَمُوتُونَ مِنْ جَرَّاءِ جِرَاحهمْ وَتَضورهمْ مِنَ الْجُوع، وَيَتْرُكُونَهمْ فِي مَسَارِح الْعَمَلِيَاتِ الْحَرْبِيَّة، طَعَاماً للْوُحُوشِ الضَّارِيَةِ. فَلَمْ يَردْ فِي قَامُوسِ حُرُوبِ الْغَرْبِ، مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ بالرَّحْمَةِ وَالإنْسَانيَّةِ. وَعِنْدَمَا طَفَحَ الْكَيْلُ، بَدَأْ نَزْرٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْغَرْبِيِِّ يَتَحَرَّكُ، صُوَّبَ التَقْلِيلَ لا الرَّحْمَة، وَمُنْذُ عَام 1862، عِنْدَمَا بادر ” هِنْري دُونَانُ ” أَحَدُ سكَانُ جِنِيفِ أَثْنَاءَ زِيَارَتِهِ الْمَيْدَانِيَّةِ فِي سَاحَةَِ مَعْرَكَة “سُولفرِيتُو” فِي مُقاطَعةِ “لُومبَاردِِيَا” إِذْ انْتَصَرَتْ قُواتُ فَرَنْسَا وسَردِينِيَا عَلَى النمْساويينَ. شَاهدَ الآلاف مِنْ الجثثِ وَالْجَرْحَى مَتْرُوكَة فِي سَاحَةِ الْعَمَلِيَاتِ الْعَسْكَرِيَّةِ. فقَرَّرَ إِنْشَاء مُنَظمَة إِنْسَانِيَّة لِلتَّقْلِيلِ مِنْ مُعَانَاةِ الحُرُوبِ وَآثَارِهَا، دُون الْخَوْض فِي أَسْبَابِهَا، أُطْلِق عَلَيْهَا (اللَجْنَة الدُوَلِيَّة لِلصَّلِيبِ الأحْمَرِ). وَعَلَى الرَّغْمِ مِنَ التَّطَوُّرِ الَّذِي يَشْهدُه الْغَرْبُ فِي الْمَجَالاتِ كَافَّة وَعَقْد العَدِيد مِنَ الْمُعَاهَدَاتِ الَّتِي تُوجِبُ الْمُعَامَلَةَ الإنْسَانيَّةَ فِي الحُرُوبِِ، وَتَقَدُّم المَفاهِيم الإنْسَانيَّةُ، وَالعُلُوم التَكنُولُوجِيَّة، وَبرُوز الأفْكَار الْفَلْسَفِيَّة، المُنَادِيَة بِحِمَايَةِ الإنْسَانِ، مِنْ شَرِّ الإنْسَانِ، فَلا يَزَالُ الْغَرْبُ يُمعنُ فِي إِنتاجِ أَفتَك أَنْوَاعِ الأسْلِحَةِ الْمُدَمِّرَةِ، وَيُشنُ أفظعَ الحُرُوبِ لأتفهِ الأسْبَابِ، وَيَقتُلُ الْمَدَنِيِّينَ وَيَعَذِّبُ الأسْرَى وَتُغتَصبُ النِّسَاءَ، مِنْ قَبْلِ دُوَلٍ كُبْرَى متَطَورةٍ تَحمِلُ شِعَارات الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ وَحُقُوقِ الإنْسَانِ. وَتَضُمُّ العَدِيدَ مِنْ جُيُوشِ الدَّوْلِ المتَطَورةَ، فرَقاً يُطْلَق عَلَيْهَا بـ(الْفرَق الْقَذِرَة)، تَضُمُّ الْمُنْحَرِفينَ والمُثليين وَالْمُجْرِمِينَ. مُهمَتها القَتْلُ وَالتَّعْذِيبُ واغْتصَابُ النِّسَاء والرِّجَال عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍِ. وَإِذَا كَانَ الْغَرْبُ هَكَذَا، فَالإسْلامُ نَهجَ نَهجاً إِنْسَانياً خَاصّاً، قَائِماً عَلَى الْفَضِيلَةِ وَالتَّقْوَى وَالإنْسَانيَّةِ. وَلمَا كَانَتْ الشَّرِيعَةُ الإسْلامِيَّة تَتَضَمَّنُ أَحْكَاماً شَرْعِيَّةً تَفْصِيلِيَّةً يَتَطَلّبُ الإيمَانُ بِهَا الأمَان وَالاسْتِقْرَار، تَمْنَحُ الْمُشْرِكَ الْوَقْتَ لِلتَّفْكِيرِ وَالْمُرَاجَعَةِ والموَازَنة والمقَارَنة والقَرَار الصَائبِ وَراحَة النَّفْسِ. فَمِثلُ هَذِهِ الأمُور لا تَأتلفُ وَالْقِتَالُ، بَلْ تَزِيدُهَا نُفُوراً وَتَمرداً وَتَمسكاً بِمَا هُوَ يَعتَقدُ بِهِ، وَتَأْخُذُهُ الْعِزَّة فِي الإثْم. فالإسْلام لَمْ يَقمْ عَلَى حَدِّ السَّيْفِ، وَإِنّ غَايةَ الإسْلامِ هي إنقاذُ الْمُشْرِك مِنْ ظُلْمِ غَيْرِه، وَمِنْ ظُلْمِ نَفْسهِ. وَإِنّ الْهَدَف هُوَ إنقاذُ الإنْسَانَ لا تَدْمِيره، وَنَشْر العَدَالَةَ لا تَقُويِضهَا. فالقِتَالُ فِي الإسْلامِ لا يَقُومُ إِلا للضّرُورة، وَإِنْ قامَ فَإِنهُ مَحْكُومٌ بقَاعدةٍ إِنْسَانِيَّةٍ عَامَّةٍ، أَسَاسُهَا قَوْلُهِ تَعَالَى: ﮋ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﮊ، الَّتِي تُوجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَهُوَ يُلاقي عَدُواً، كَاظَم الْغَيْظ وَالرَّأْفَة. فَمَتَى رَجَع الْبَاغِي عَنْ بغيه سَلمتْ حَيَاتُهِ، وَضَمِنَ آخِرَته، وَكفَاه شَرّ الْقِتَال، وَانَحصر الظُّلْمُ وَانْتَشَرَتْ العَدَالَةُ. فَقَدْ مَنْعَ الإسْلامُ قَتْل الْمَدَنِيِّينَ، وَالأطْفَالَ والنِّسَاءَ، وأوجب المُعَامَلَةَ الإِنْسَانِيَّةَ لأسْرَى الحَرْبِ، وَالْجَرْحَى وَالمَرْضَى وَالرُّهْبَانِ، وَحَددَ أَوْقَاتاً لوَقْفِ الْقِتَالِ وإِنْهَائهِ. وَإِذَا كَانَ الْقَانُون الدُّوَلِيّ الإنْسَانيّ الْمُعَاصِر يَفْتقر إِلَى الَمحَاكم الدُوَلِيَّة لإلزام الدَّوْل عَلَى تَطْبِيق الاتِّفَاقِيَات الدُوَلِيَّة الخَاصَّة بِالْقَانُونِ الدُّوَلِيّ الإنْسَانيّ، فَإِنّ لِلإسْلامِ وَسَائِل قَضَائِيَّة دُنْيَوِيَّة وَوَسَائِل أُخْرَى أخْرَوِيَّة لِمُحَاسَبَة مَنْ تَجَاوَز عَلَى الحُدُود الَّتِي وَضعها الله لِمُعَامَلَةِ بَنِي الإنْسَان. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ المُقَارَنَةَ بَيْنَ قَوَاعِدِ الْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيِّ الإسْلامِيِّ والقانونِ الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيِّ الْمُعَاصِرِ، تُعَدّ مُقَارَنةً مَعَ الفَارقِ، بَيْنَ شَرِيعَةٍ سَمَاوِيَّةٍ مُتكَامِلةٍ وقَانُونٍ وضْعِي مِنْ صُنع البَشَرِ، يُجَسمُ أهوَاءهُ ونَزوَاتهُ، غَيْر أَنَّ الضْرُورةَ تَقتَضِي الالْتِزَامَ بالمنْهجِ العِلْمِيِّ الَّذِي يَعتَمدهُ الْفِقْه الْغَرْبِيُّ فِي دِرَاسَةِ الْقَانُون الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيِّ الْمُعَاصِرَ، لنَتَبينَ الفَارِقَ الْكَبِيرَ بَيْنَ الشَّرِيعَةِ الإسْلامِيَّة وَالأحْكَامِ الْمُطَبقَةِ حَالِياً. وَهَذَا لا يَعْني أننَا ضِدَّ قَوَاعِد الْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيِّ المُعاصِرةِ، بَلْ نَعدُ هَذَا الْقَانُونَ خُطْوَةً مُتَقَدِّمَةً، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْخُطْوَة لا تَزَالُ مُعَوقةُ، تَعترِيهَا النَواقصُ، وَتَتقاذَفها الْهَوَاجِس وَالتَّرَاجُع، وَلَكِنَّهَا فِي جَمِيعِ الأحْوَالِ أَفْضَل مِمَا لا تَكُونُ أَسَاساً. وَسِيَأتي الْوَقْتُ الَّذِي يَشْعُر فِيهِ العَالَم بإِنْسَانِيَّة الإسْلامِ، وَتَفوقهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ القَوَاعِدِ الَّتِي تَحمي الإنْسَان وَتَصونُ كَرَامَته، وتَحَفظُ شَرَفه. وَسَنتّبعُ خُطُوَات الْمَنْهَجِ الْغَرْبِيِّ فِي شَرْحِ قَوَاعِدِ الْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيِّ، نَقتَطفُ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ الإسْلامِيَّة، المَصَادَر الْمُتَنَوِّعَة لِنَجمعهَا فِي مَصْدرٍ وَاحِدٍ لِغَرَضِ الاسْتِفَادَةِ مِنْهَا. وَسَنستَخدمُ الْمُصْطَلَحَات الْغَرْبِيَّة فِي هَذِهِ الدِّرَاسَةِ وَمَا يُقَابلهَا فِي الشَّرِيعَةِ الإسْلامِيَّة. وَنَعتَمدُ دِرَاسَةً مُوجَزَةً لِقَوَاعِدِ الْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيَّ الْمُعَاصِر، كمَدْخَلٍ لِقَوَاعِدِ الْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيِّ الإسْلامِيِّ، لنرى مَوقِع الإنْسَانيَّة الإسْلامِيَّة مِنْ القَوَاعِد الْوَضْعِيَّة المُشّرعةِ وَالْمُطَبقَة فِي الْوَقْت الحَاضِر، بِأُسْلُوبٍ سَهْل، مُبتَعدين عَنِ الآرَاءِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَنَاقِضَةِ، مُخْتَارِينَ القَوَاعِدَ الأكْثَر شُيُوعاً وتَقبلاً لِعَصرنَا. وَطبقاً لِذَلِكَ، سنتَنَاوَلُ مَفْهُومَ الْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ الإنْسَانيِّ الإسْلامِيِّ، وَنَظَرِيَّة السَّلام فِي الإسْلامِ، وَالْقِتَال الْمَشْرُوعَ وَغَيْرِ الْمَشْرُوعِ، وَمفاهِيمَ الْقِتَالِ فِي الإسْلام،
			
		موسوعة القانون الدولي الإسلامي جزء 7 حقوق الطفل في الإسلام
عدد الصفحات : 344 صفحة
عَلَى الرَّغْمِ مِنَ التَّطَوُّرِ الْكَبِيرِ الَّذِي يَشْهَدُهُ المُجْتَمَعُ الدُّوَلِيُّ الْمُعَاصِرُ فِي مَجَالِ حُقُوقِ الإنْسَانِ، وَعَقْد الْعَدِيدِ مِنَ المُعاهَدَاتِ وَالإعْلانْاتِ، إِلا أَنَّ الأطْفَالَ لا يَتَمَتَّعُونَ بالْعَدِيدِ مِنَ الْحُقُوقِ حَتَّى الُوقْتُ الحَاضِرِ، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِك هُوَ أَنَّ الطِّفْلَ لَيْسَ صَوتاً فِي الانْتِخَابَاتِ الْبَرْلَمَانِيَّةِ لِكَيْ يَحْصُل عَلَى وَعُودٍ بِتَحْسِينِ حَالِهِ. كَمَا أَنَّ الْمُنَظَّمَات الخَاصَّة بِالأطْفَالِ يُدِيرُهَا الكِبَارُ الذِينَ يُعَدُّونَ جُزْءاً مِنَ الْمُشْكَلَةِ الَّتِي يَعَانِي مِنهَا الأطْفَالُ. وَأَسْهَمَتْ الْحُروبُ بَيْنَ الدُّوَلِ الأورُوبِّيَّةِ فِي مُعَانَاةِ الأطْفَالِ. وَلَمْ يَحظَ الطِّفْلُ بِالرِّعَايَةِ وَالاهْتِمَامِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ. فَلا يَزَالُ الْمَلايِينَ مِنَ الأطْفَالِ فِي الدُّوَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَطْفَالاً غَيْر شَرْعِيِّينَ، لا يَتَمَتَّعُونَ بِنَسَبِ الأبُوَّةِ، بِسَبَبِ العِلاقَات غَيْرِ الشَّرْعِيِّةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرَأَةِ، وَلا بِحنَانِ الْعَائِلَةِ، وَلا الارْتِبَاطِ المُجْتَمَعي. وَيَغلبُ عَلَى العِلاقَاتِ الزَّوْجِيَّةِ النَّاحِيَة الْمَادِّيَّة، وَغَالباً مَا يَشتَرطُ الزَّوْجَانِ عِنْدَ الزَوَاجِ عَدَم الإنجَابِ، وَيُفضِّلانِ تَرْبِيَة الحِيوَانَاتِ الْمَنْزِلِيَّةِ عَلَى تَرْبِيَةِ الأطْفَالِ. وَصَدَرَتْ العَدِيدُ مِنَ المُعَاهَدَاتِ وَالُوثَائقِ الدُوَلِيَّةِ لِتَنْظِيمِ حُقُوقِ الطِّفْلِ، إِلا أنهَا لَمْ تُطَبَّقْ مِنَ النَاحِيَةِ الْعَمَلِيَّةِ بِسَبَبِ عَدَمِ وُجُودِ قَوَاعِد قَانُونِيَّةِ تُلزمُ الدُّوَلَ وَالأفْرَادَ بضمَانِ حُقُوقِ الطِّفْلِ وَحمَايَتهِ. لِهَذَا فَإنّ شَرِيحَةَ الأطْفَالِ مِنْ أَكْثَرِ شرَائحِ المُجْتَمَعِ تَعرضاً لآثَارِ المنَازَعَاتِ الْمُسَلَّحَةِ، فغَالباً مَا يَكُونُوا ضَحَايَا الْحُروبِ بِسَبَبِ عَدَم قُدْرَتِهِمْ عَلَى حِمَايَةِ أَنْفُسِهِمْ. تِلْكَ الصُورَة الَّتِي يَعِيشهَا العَالِمُ الْمُعَاصِرُ الْمُتَقَدِّمُ فِي نَظرتهِ للأطْفَالِ، لَمْ تَكُنْ مُوجُودَةٌ فِي الْمُجْتَمِعَاتِ الإسْلامِيَّةِ. فَالْعَلاقَةُ الْقَبليَّةُ وَالْعَائِلِيَّةُ وَالدِّينِيَّةُ تُحَتمُ عَلَى الْعَائِلَةِ الْمُسْلِمَةِ رِعَايَةَ الأطْفَالِ وَحِمَايَتِهِمْ فِي جَمِيعِ الأوقَاتِ. وَجَعَلَ الإسْلامُ الهَدفَ الأسْمَى للعِلاقَاتِ الزَّوْجِيَّةِ أَنْ تَقُومَ عَلَى أَسَاسِ تَكْوِين أَسْرةٍ يَكُونُ فِيهَا الأطْفَالُ المحْورَ الَّذِي يَرْبطُ الزَّوْجَ بالزَّوْجَةِ ويحقق وحْدَة الْعَائِلَةِ وَتَمَاسُكِهَا. وَجَعَلَ مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ قَبْل وَلادَتهِ أَنْ يَختَارَ الرَّجُلُ الزَّوْجَةَ الصَّالِحَةَ الَّتِي تَسْتَطِع أَنْ تُرَبِّي الطِّفْلَ تَرْبِيَةً صَحِيحَةً. وَقَدْ نَظّم الإسْلام حُقُوقَ الطِّفْلِ الضَّعِيفِ، كَالْيَتِيم وَابْن السَّبِيلَ وَالْفَقِيرِ وَابْنِ الرَّقِيقِ وَأَولادِ المُشْرِكِينَ فِي المنَازَعَاتِ الْمُسَلَّحَةِ. وَأقر لهَؤُلاءِ العَدِيدَ مِنَ الْحُقُوقِ بِمَا يَتنَاسَبُ وَحَالَة ضَعْفِهِمْ. ونَظّمتْ الشَّرِيعَةُ الإسْلامِيَّةُ كَيفِيَّة تَرْبِيَة الطِّفْلِ وَمدَى مَسْؤولِيَّةِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالدَّوْلَةِ فِي تَرْبِيَتهِ. وَأَوجَبَ المُسَاوَاة بَيْنَ الأطْفَالِ، وَعَدَمَ تَعَرُّضِهِمْ للقَتْلِ وَالتَّعْذِيبِ وَالحِمَايَة مِنْ الرِّقِّ وَرعَايَتهِمْ فِي المنَازَعَاتِ الْمُسَلَّحَةِ وَحِمَايَتِهِمْ مِنْ أَثَارهَا المدمرة، وَتَسْخِيرُ الْعَائِلَة وَالدَّوْلَة لِحِمَايَةِ الطُّفُولَةِ. إِنّ مَا أَقَرَّهُ الشَّرْعُ الإسْلامِيُّ للأطْفَالِ يَفُوقُ مَا تُقَدمهُ القَوَانِيَنُ الْحَدِيثَةُ فِي العَدِيد مِنَ الَمجَالاتِ. وَمِنْ أَجَلِ ذَلِك فَقَدْ أَفرَدنَا هَذِهِ الدِّرَاسَةَ لبيَانِ حُقُوقِ الأطْفَالِ فِي الإسْلامِ، مَعَ مقَارنتِهَا بِمَا هُوَ مُطَبقٌ فِي الُوقْتِ الحَاضِرِ مِنْ قَوَاعِد قَانُونِيَّة خَاصَّة بِحُقُوقِ الأطْفَالِ فِي القَانُونِ الدُّوَلِيِّ الْعَامِّ. وَسِنْتَنَاوَلُ مَفْهُومَ الطِّفْلِ وَحُقُوقه قَبلَ الوِلادة وَبعَدهَا، وَحقُ التَرْبِيَةِ وَحُقُوقهِ الاجْتِمَاعِيَّةِ وَالإنْسَانِيَّةِ
			
		موسوعة القانون الدولي الإسلامي جزء 8 حقوق امرأة في الإسلام
عدد الصفحات : 360 صفحة
تُعَانِي الْمَرْأَةُ مُنْذُ القِدَمِ، مِنْ وَاقِعٍ قَانُونِيٍّ وَاجْتِمَاعِيِّ مُتَدَنٍ، وَتُعَامَلُ مُعَامَلَةً سَيِّئَةً مِنْ قبل الْعَائِلَةِ وَالدينِ وَالمُجْتَمَعِ وَالدَّوْلَةِ. وَلَمْ تَمْنَحْ الأدْيَانُ الْوَضْعِيَّةُ أَيَة حُقُوق لِلْمَرْأَةِ بِمَا يَتَنَاسَب وَوَضعهَا. وَقَدْ اسْتَمَرَّ هَذَا الْوَاقِعُ قُرُوناً عَدِيدَةً إِلَى وَقْتٍ قَرِيبٍ. وَكَانَتْ الْحروبُ الَّتِي وَقَعتْ بَيْنَ الدَّوْلِ الْغَرْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَبِخَاصَّةٍ فِي الْحَرْبيْن العَالَمِيّتيْن الأولَى وَالثَّانِيَةِ، وَالْحُرُوبُ الدُّوَلِيَّةُ وَالأهْلِيَّةُ الَّتِي شَهدتهَا الْعَدِيدُ مِنْ دُوَلِ العَالمِ، وَمَا لَحقَ بِالْمَرْأَةِ مِنْ قَتْلٍ وَتَعْذِيبٍ وَتَشْرِيدٍ وَاغْتِصَابٍ، الأمْرُ الَّذِي يَتَطَلّبُ الوقُوفَ أَمَامَ هَذِهِ الْحَالَةَ الإنْسَانِيَّةَ وَالعَمَلُ عَلَى حِمَايَةِ الْمَرْأَةِ. فَالْمَرْأَةُ كَانَتْ وَلا تَزَالُ مُحْور الانْتِهَاكَاتِ الَّتِي تَلحَق بِالْبَشَرِيَّةِ مِنْ جَرَّاءِ الأزمَاتِ وَالْحروبِ. وَبِالإضَافَةِ إِلَى ذَلِك فَإِنّ مَا يُصِيبُ الزَّوْجَ وَالابْنَ وَالأبَ وَالأمَّ وَالأخَ يُصِيبُ الْمَرْأَةَ وَيَمسُ حُقُوقهَا. فَهِيَ أَكْثَر المُتَضَررِينَ مِنْ جَرَّاء المنازَعَات الْمُسَلَّحَةِ الدُّوَلِيَّةِ وَالأهْلِيَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. وَقَدْ تَنَبَهَ المُجْتَمَعُ الدُّوَلِيُّ إِلَى وَاقِعِ الْمَرْأَةِ. وَعَلَى الرّغمِ مِنْ عَقْدِ الْعَدِيدِ مِنَ الاتِّفَاقِيَّاتِ الدُّوَلِيَّةِ الَّتِي مَنَحَتْ الْمَرْأَةَ بَعْض حُقوقِهَا، إِلا أَنَّ هَذِهِ الاتِّفَاقِيَّاتِ لَمْ تَجدْ التَّطْبِيقَ الْعَمَلِيَّ لِحِمَايَةِ الْمَرْأَةِ، بِسَبَبِ عَدَمِ وُجُودِ قُوَّةٍ تَنفِيذِيَّةٍ لِهَذِهِ الاتِّفَاقِيَّاتِ، لأنَّ الاعْتِرَاف بالحُقُوقِ الْوَارِدَةِ فِيهَا إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى حِسَابِ الرَّجُلِ الَّذِي يَملكُ المَالَ وَحَق إصْدَارِ القَوانِيَنَ، الأمْر الَّذِي حَرمَ الْمَرْأَةَ مِنَ العَدِيدِ مِنَ الحُقُوقِ. وَعَلَى الرَغمِ مِنْ أَنَّ التَّطَوُّر الَّذِي يَشْهَدُهُ العَالم فِي الْمَجَالاتِ كَافَّةِ قَدْ وَصلَ إِلَى مَرْحَلَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، فَإِنَّ الْمَرْأَة لا تَزَالُ تُعَانِي مِنَ انْتِهَاكِ حُقُوقِهَا، وَلَمْ يُعْتَرفْ لَهَا بِذِمَةٍ مَالِيَّةٍ مُنْفَصِلةٍ، حَتَّى فِي الدَّوْلِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي عَقَدتْ الْعَدِيدَ مِنَ المُعاهَدَاتِ الدُّوَلِيَّةِ وَشَرَعَتْ القَوانِيَنَ الْخَاصَّة بِحِمَايَةِ الْمَرْأَةِ. وَالشَّيْءُ المُفَارقُ لمُتَطلبَاتِ الحَقَائِقِ، هُوَ أَنَّ الأقَلِّيَّاتَ مَهْمَا كَانَ نَوْعهَا هِيَ الَّتِي تُطَالبُ بِحُقُوقِهَا مِنْ طغيَانِ الأكْثَرِيَّةِ حَتَّى فِي الدَّوْلِ العَرِيقَةِ بِالدِّيمُقْرَاطِيَّةِ، بَيْنَمَا تُعَدُّ الْمَرْأَةُ هِيَ الأكْثَرِيَّةُ فِي التِعدَادِ السُكَانِي فِي جَمِيع دُوَلِ العَالمِ، وَلَكِنَّهَا تُعَانِي فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ، مِنَ الاضْطِهَادِ والتَشَردِ والتَرَملِ، والتَّعْذِيبِ، وَكظْمِ الحُقُوقِ وَإهدَارِ الْحُرِّيَّاتِ، وَمِنْ تَسَلطِ الأقَلِّيَّةِ وَهُمْ الرِّجَالُ وَالقَابِضُونَ عَلَى السُّلْطَةِ. وَكَانَتْ الشَّرِيعَةُ الإسْلاميََّةُ قَدْ سَبَقتْ جَمِيعَ الْمُجْتَمِعَاتِ الدُّوَلِيَّةِ فِي حِمَايَةِ حُقُوقِهَا وَضَمَان مُسْتَقْبَلهَا. فَقَدْ وَرَدَتْ الْعَدِيدُ مِنَ الآيَات فِي الْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ، وَالأحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، وَمَا وَضَعهُ فِي ضَوْءِ ذَلِك الْفُقَهَاءُ المُسْلِمُونَ قَدْ ضَمِنَتْ حُقُوق الْمَرْأَةِ بِشَكْلٍ مُخْتَلَف تَمَاماً عَمَا عَلَيْهِ فِي الدَّوْلِ الْمُتَقَدِّمَةِ. فَقَدْ أَقَرَّ الإسْلام لِلْمَرْأَةِ ذِمَةً مَالِيَّةً مُنْفَصِلةً عَن الْعَائِلَةِِ وَعَن الزَّوْج، وَمَنْحهَا الحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ وَالشَخْصِيَّةَ بِشَكْلٍ مُسْتَقِلٍّ وَكَامِلٍ. وَمَنْحهَا حُقُوقهَا الْمَشْرُوعَة سَوَاء أَكَانَتْ مُتَزَوِّجَة أَمْ غَيْرِ مُتَزَوِّجَة. وَأقرَ لَهَا أَهْلِيَّةً قَانُونِيَّةً وَقَضَائِيَّة كَامِلَةً. وَأَمَا فِيمَا يَتَعلقُ بِالْولايَةِ أَوْ الْوِصَايَةِ عَلَيْهَا، إِنَّمَا أُقرتْ لِحِمَايَةِ الْمَرْأَةِ وَعَدَم اسْتِغْلالِهَا مِنْ قبل الآخَرِينَ. فَالْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ تَتَمَتَّعُ بالعَدِيدِ مِنَ الحُقُوقِ الَّتِي أقَرَّهَا القَانُونُ الدُّوَلِيُّ الْعَام، إِلا فِيمَا يَتَعلقُ بِالمسَاسِ بِدِينهَا وَطَبِيعَة المُجْتَمَعِ الإسْلاميِّ، وَالْمُحَافَظَة عَلَى عَفَافِهَا وَشَخْصِيَّتِهَا وَأَدَمِيتهَا. وَسَنَتَنَاوَلُ حُقُوقَ الْمَرْأَةِ الثَّابِتَةِ فِي الشَّرِيعَةِ الإسْلاميََّةِ، دون أَنْ نَعتَمدَ عَلَى مَذهبٍ مُعَيَّنٍ، مَعَ مُقَارَنَتهَا بِمَا هُوَ وَارِد فِي المُعاهَدَاتِ الدُّوَلِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ الإنْسَانِ بِصُورَةٍ عَامَّةٍ، وَمَا وَرَدَ فِي المُعاهَدَاتِ الدُّوَلِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِحُقُوقِ الْمَرْأَةِ بِصُورَةِ خَاصَّةٍ، وَالجُهُودِ الدُّوَلِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِحِمَايَةِ الْمَرْأَةِ
			
		موسوعة القانون الدولي الإسلامي جزء 9 المنظمة الدولية الإسلامية
عدد الصفحات : 392 صفحة
مِنَ التّطَوُّرَاتِ الْحَدِيثةِ للقَانُونِ الدُّوَلِيِّ ظُهُورُ الْمُنَظَّمَاتِ الدُّوَلِيَّةِ، كشَخْصيَّةٍ قَانُونِيَّةٍ دُوَلِيَّةٍ تَعْمَلُ عَلَى حِمَايَّةِ المَصَالِحِ المُشْتَرَكةِ لِلدُّوَلِ الأَعْضَاءِ. فَكَانَتْ الْحُروبُ تَتَوَلَّى تَحْدِيدَ حِمَايَة مَصَالِحِ الدُّوَلِ. فَلَمْ يَعْرِفْ المُجْتَمَعُ الدُّوَلِيُّ الْمُنَظَّمَاتَ الدُّوَلِيَّةَ، إِلا فِي بِدَايَّةِ الْقَرْنِ الْمَاضِي، عِنْدَمَا عَملتْ الدُّوْلُ الْمَسِيحِيّةُ عَلَى تَكَتلاتِ إِقَليمِيَّةِ ضِدَّ بَعْضهَا. ثُمَّ تَطَوَّرَ الأَمْرُ بإِنْشَاءِ مُنَظَّمَةِ عُصْبَةِ الأُمَمِ عَام 1921، خَارِج النِّطَاقِ الأُورُوبِّيِّ، وَضَمَّتْ لأَوَلِ مَرَة دُوَلاً غَيْرَ مَسِيحِيَّةٍ. وَظَهرَ التَّفْكِيرُ بِإِنْشَاءِ مُنَظّمَةٍ دُوَلِيَّةٍ فِي بِدَايَةِ الْقَرْنِ الْمَاضِي أُطْلقَ عَلَيْهَا بِالجَامِعَةِ الإِسْلامِيَّةِ، الَّتِي نَادَى بِهَا بَعْضُ المُفَكرِينَ المُسْلِمِينَ الأَوَائلِ، وَإنْ اخْتَلفُوا فِي أَهدَافِهَا وَمَبَادِئِهَا. وَعَلَى الرّغْمِ مِنْ تَطَوُّرِ الْمُنَظَّمَاتِ الدُّوَلِيَّة عَلَى الصَّعِيدِ الدُّوَلِيِّ، وَبخَاصّة بَعْدَ إِنْشَاءِ الأُمَمِ المُتحِدةِ عَام 1945، وَتُحَرر العَدِيد مِنَ الدُّوَلِ الإِسْلامِيَّةِ، لَمْ يَظْهَرْ التَّفْكِير بإِنْشَاءِ مُنَظَّمَةٍ إِسَلاميَّةٍ تَعَمَل عَلَى حِمَايَة مَصَالِح الدُّوْلِ الإِسْلامِيَّة المُشْتَرَكةِ، إِلا فِي عَامِ 1969، بَعْدَ ارتِكَابِ جَرِيمَةِ حَرق الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، فَتَمَ إِنْشَاءُ مُنَظَّمَة المُؤْتَمَرِ الإِسْلامِيِّ، وَضَمَّتْ أَكْثَرَ مِنْ خَمسِينَ دَوْلَةٍ. وَمِنَ الثَابِتِ أَنّ إنْشَاءَ الْمُنَظَّمَاتِ الدُّوَلِيَّةِ لا يَتِمُّ بقَرَارٍ مِنْ دَوْلَةٍ وَاحَدةِ، بَلْ يَتَطَلّبُ مُوَافَقَةَ العَدِيد مِنَ الدُّوَلِ عَلَى الانْضِمَامِ إِلَى هَذِهِ الْمُنَظَّمَةِ. فَالدُّوْلَةُ خِلال الحُكْمِ الإِسْلامِيَّ غَيْر قَادِرَةٍ عَلَى إِنْشَاءِ مُنَظَّمَةٍ دُوَلِيَّة مَا لَمْ تَتَّفِقْ مَعَ الدُّوْلِ الأُخْرَى عَلَى قِيَام مُنَظَّمَة دُوَلِيَّة تَعَمَل عَلَى حِمَايَة مَصَالِحهَا. وَمُنْذُ فَجرَ التَّارِيخ حَتَّى قِيَام الأُمَم الْمُتَّحِدَة، كَانَتْ الْعَلاقَاتُ الدُّوَلِيَّةُ قَائِمَةً عَلَى الصِّرَاعاتِ العَسْكَرِيَّةِ المُسَلَّحَةِ. وَبِذَلِكَ فَإِنَّ قَرَارَ إِنْشَاءِ الْمُنَظَّمَةِ الدُّوَلِيَّة لا يَقُومُ عَلَى رَغبةِ دَوْلَةٍ وَاحَدةٍ، بَلْ يَتَطَلّبُ تَوَافقَ الإِرَادَاتِ بَيْنَ الدُّوَلِ. وَإِذَا مَا ظَهَرَتْ العَدِيدُ مِنَ الدُّوَلِ الإِسْلامِيَّةِ فِي عَصْرٍ وَاحَدٍ فَمِنَ النَادرِ أَنْ تُقيم عِلاَقَات جَيِّدَة بَيْنها. فبَعْد انْتِهَاءِ الْخِلافَةِ الرّاشِدَةِ، جَاءتْ الْخِلافَةُ الأُمَوِيَّةُ لتَبسطَ نَفْسها كدَوْلَةٍ وَحِيدةٍ فِي العَالَمِ، وَتَبَعتهَا الدَّوْلَةُ الْعَبَّاسِيَّةُ، ثُمَّ الحُكْمُ الْعُثْمَانِيُّ. وَقَدْ شَهِدَ الحُكْمُ الأَخَيْرُ ظُهُورَ العَدِيد مِنَ الدُّوْلِ الأُورُوبِّيَّةِ مِمَّا تَطَلّبَ أَنْ يُقيم عَلاقَاتٍ مَعَها، وَإنْ لَمْ يَتِمْ إِنْشَاء مُنَظَّمَة دُوَلِيَّة تَجْمَع الدَّوْلةَ الْعُثْمَانِيَّةَ وَالدُّوَلُ الأُورُوبِّيَّةَ. وَعِنْدَمَا ظَهَرَتْ فِي أوقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ بَعْضُ الدُّوْلِ الإِسْلامِيَّةِ المُعَاصِرَةِ لِبَعْضهَا، فَإِنَّ الْعَلاقَاتَ بَيْنها لَمْ تَكُنْ عَلَى مَا يُرَامُ. وَإِذَا كَانَ التَّارِيخُ الإِسْلامِيُّ لَمْ يَشَهدْ مُنَظَّمَةً دُوَلِيَّةً كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْوَقْتِ الحَاضِرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَعْنِي عَدَم ظُهُور تَحَالفات بَيْنَ القَبَائِلِ الْعَرَبيَّةِ الَّتِي تُعَدُّ شَكْلاً مِنْ أشْكَالِ التّنْظِيمِ الدُّوَلِيِّ، وَإنْ لَمْ يَصلْ إِلَى مَا هُوَ قَائِمٌ فِي الْوَقْتِ الحَاضِرِ. فَالأَحْلافُ الْقَبلِيَّةُ مُنَظَّمَاتٌ وَلَكِنَّهُا لَيْسَتْ عَلَى مَا هِيَ الْحَالِ فِي الْوَقْتِ الحَاضِرِ. وَكَانَ إِنْشَاءُ مُنَظَّمَة المُؤْتَمَرِ الإِسْلامِيِّ خَيْر دلِيلٍ عَلَى تقبُلِ الإِسَّلامِ لفِكْرةِ إِنْشَاءِ مُنَظَّمَةٍ دُوَلِيَّةٍ تَجْمَعُ الدُّوَلَ الإِسْلامِيَّةَ. كَمَا أَنّ انْضمَامَ جَمِيع الدُّوَلِ الإِسْلامِيَّة إِلَى الْمُنَظَّمَاتِ الدُّوَلِيَّةِ الأُخْرَى خَيْر دلِيلٍ عَلَى تقبُلِ الإِسْلامِ التَعَامُل مَعَ دُوَلٍ غَيْر إِسَلاميَّةِ لِتَنْظِيمِ حِمَايَة مَصَالِحهَا الدُّوَلِيَّةِ. وَبناء عَلَى ذَلِكَ، يُمْكِنُ الْقَوْل إنَّ الإِسَّلامَ يَتقبّلُ إِنْشَاء مُنَظَّمَةٍ دُوَلِيَّةٍ تَجْمَعُ الدُّوَلَ الإِسْلامِيَّةَ، مَعَ غَيْرهَا. وَسَنتَنَاوَلُ التَنْظِيمَ الدُّوَلِيَّ الإِسْلامِيَّ بِدرَاسةِ مُنَظَّمَة المُؤْتَمَرِ الإِسْلامِيِّ، لِكَوْنِهَا الْمُنَظَّمَةَ الإِسْلامِيَّةَ الدُّوَلِيَّة الْوَحِيدَةَ فِي الْوَقْتِ الحَاضِرِ، الَّتِي تُنَظّمُ الْعَلاقَاتَ بَيْنَ الدُّوَلِ الإِسْلامِيَّةِ. وَبِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ الأَحْلافَ الدُّوَلِيَّةَ تُنَظّمُ مِنْ قبلِ مُنَظَّمَاتٍ دُوَلِيَّةٍ، فَقَدْ آثرنَا أَنْ نَتَنَاولَ الأَحْلافَ الدُّوَلِيَّةَ بِشَكل مُوجزٍ. وَمِنْ ثُمَّ سَنتَنَاوَلُ دَعوَات المُفَكرينَ الإِسْلامِيينَ بإِقَامَةِ مُنَظَّمَةٍ إِسْلاَمِيَّةٍ. وَنُخَصصُ الدِّرَاسَةَ لمنَظَّمَةِ المُؤْتَمَرِ،
			
		موسوعة القانون الدولي الجنائي جزء 1 جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية
عدد الصفحات : 400 صفحة
جريمة قتل الإنسان للإنسان، تمتد إلى أغوار سحيقة في التاريخ البشري. فقد تعرض الإنسان خلال الحقب والعصور المختلفة إلى ويلات القتل والتدمير والاغتصاب وإتلاف الأموال. فكان المنتصر يفتخر بأنه أوقع في عدوه الفناء والتدمير والإذلال، فكانت الحرب فخراً وقوة وسطوة، يتلذذ بها الحكام، ويتغنى بها الشعراء والبلغاء، وينصب لها الأفراح والولائم، وينشد المغنون، ويرقصون على أشلاء القتلى. والنصر في الحروب كافة، يقوم على تحقيق الهدف من الحرب، وإن كان ما قدمه المنتصر من ضحايا يفوق ما قدمه الخاسر بأضعاف مضاعفة. فحياة البشر، وكرامته، وإنسانيته لم تكن موضع اهتمام وتقدير عند الحكام. فمن أوغل في القتل والتعذيب والاغتصاب والنهب، سجلت له سجية يفتخر بها المقاتلون. وشهد التاريخ البشري العديد من الحروب والويلات المدمرة، لم تكن لها أهداف معينة سوى الانتقام والتدمير والقتل، أو تشن لأسباب تافهة. وعلى الرغم من ظهور الأديان السماوية، ونداءات الفلاسفة والمفكرين بضرورة الحد من الحروب، وتطبيق القواعد الإنسانية، في المنازعات، والرحمة بالإنسان، وحفظ كرامته، إلا أن البشرية لا تزال تعاني حتى يومنا هذا الويلات المدمرة، والفواجع المستديمة، والانتهاكات المستمرة، فالملايين يقتلون، والملايين يشردون، والملايين يعذبون. وإذا كانت البشرية قد شهدت نهضة علمية وإنسانية وأخلاقية وحضارية، وقيام حكومات ديمقراطية منتخبة، تعبر عن تطلعات المجتمع وتقاليده، وظهور أفكار إنسانية، وبروز قيم الدولة المتحضرة التي تعمل من أجل شعوبها، ورفعها شعارات وإعلانات عالمية، تجسد فيها حقوق الإنسان، ومعاهدات دولية، تدعو جميعها إلى حماية الإنسان وحفظ كرامته، إلا أن الواقع العملي، فرض على الدول جميعها أن تسير باتجاه ابتكار وصناعة أفظع الأسلحة المدمرة وأفتكها. وأصبحت مسألة سباق التسلح، وامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وكأنها ركن من أركان الدولة المتحضرة، وديمومة وجودها، وسر نهضتها، وأسلوب هيمنتها. ولا ينظر لأية دولة من خلال التزامها بالقيم والأخلاق الإنسانية. إنما تفرض مهابتها واحترامها على القدر الذي تملكه من قوة التدمير، ومراوغة التفكير، وهيمنة التقرير، وقدرتها على احتكار الأسلحة المدمرة ومنع غيرها، من أجل أن تتمكن من إدارة السياسة الدولية وتفرض إرادتها على الدول الأخرى. واستخدم التجويع، كوسيلة من وسائل الحرب. فمن ملك السلاح، والمال، ملك الهيمنة السياسية والاقتصادية، وفرض إرادته على الجميع. فكلما تقدم العلم والتكنولوجيا، سبقها تطور هائل في ابتكار أفتك أنواع الأسلحة لتدمير الإنسان بشكل كامل. لهذا قيل أن كل حضارة تحمل عوامل فنائها معها.
			
		موسوعة القانون الدولي الجنائي جزء 2 جرائم الحرب وجرائم العدوان
عدد الصفحات : 400 صفحة
إذا كانت جرائم الحرب تمتد إلى أغوار سحيقة في التاريخ، فإن جرائم العدوان لم تتبلور لحد الآن. فلا تزال موضع جدل ونقاش، بسبب اختلاف الدول واختلاف النزاعات السياسية. لهذا فقد نص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على تفاصيل حول جرائم الحرب، في حين لم يفصل ذلك بالنسبة لجرائم العدوان، لأنها موضع نقاش وجدل بين الدول. وإذا كانت جرائم الحرب يرتكبها جنود أو أشخاص عاديون، فإن جرائم العدوان ترتكب من قبل الدولة، وقد يشترك في ارتكابها البرلمان ومجلس الوزراء والقوات المسلحة، فمن الصعوبة تحديد المسؤولية في ارتكاب جرائم العدوان. لهذا فإن نظام المحكمة لم يرد تفاصيل حول ذلك، ولم يحدد المسؤولية الجنائية فيها بشكل واضح. وإنما أحال تحديد جرائم العدوان بالتنسيق مع ميثاق الأمم المتحدة وبشكل خاص مع مجلس الأمن، عندما ينظر في تعديل نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ويصعب في العديد من الأحيان الفصل بين جرائم الحرب، وجرائم العدوان، بسبب التداخل بينها، والتشابه فيما بينها. وجرائم الحرب والعدوان، من أكثر الجرائم التي تفتك بالإنسان، وبخاصة بعد تطور أسلحة الدمار الشامل، وبالأهداف الدنية، والأهداف العسكرية التي تسبب فواجع مدمرة بالمدنيين، وبالأجيال القادمة. وتختص المحاكم الوطنية بالنظر في جرائم الحرب وجرائم العدوان، كما تختص محكمة الجنايات الدولية بالنظر في هذه الجرائم في حالة عدم قيام المحاكم الوطنية، أو عجزها بالنظر فيها، كما تختص المحاكمة الدولية المؤقتة التي تشكل بقرار من مجلس الأمن، بالنظر فيها ومعاقبة القائمين بها. وإذا كانت جرائم الحرب غالباً ما تتخذ طريقها نحو المحاسبة القانونية، عندما يتمكن المنتصر من فرض إرادته على الطرف المستسلم، وينشئ محاكم لفرض العقوبات على المندحر، فإن جرائم العدوان لا تزال بيد مجلس الأمن الذي يعود إليه وحده في تقرير الأفعال التي تعود جرائم، والعقوبات التي يقررها بحق من يراه أنه ارتكب عدواناً، طبقاً لقرار الجمعية العامة الخاص بتعريف العدوان وتحديد حالاته، أو دون ذلك.
			
		موسوعة القانون الدولي الجنائي جزء 3 القضاء الدولي الجنائي
عدد الصفحات : 464 صفحة
كان المنتصر في الحرب، هو الذي يحدد الأفعال التي تعد جرائماً، وهو الذي يشكل المحكمة لمحاكمة من يريد الانتقام منهم، وينزل العقاب الصارم بهم، وينفذ العقوبة بحقهم كيفما يشاء. وبسبب تعدد الدول المتحاربة، لجأت الدول المنتصرة، إلى إنشاء محاكم مشتركة، تتكون من قضاة عسكريين من الدول المتحالفة، وتجري محاكمات صورية لمحاكمة العسكريين والمدنيين من الأعداء، طبقاً لقواعد تضعها الدول المتحالفة دون رقابة دولية، وتنفذ ما تراه من العقوبات بما يشفي غليلها. وعلى هذه الشاكلة شكلت محاكم عسكرية، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أطلق عليها بالمحاكم الدولية المؤقتة، مثل محكمة نورمبورغ لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان، ومحكمة طوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب اليابانيين. أما ما ارتكبه المنتصر من جرائم، وقتل وتدمير، فإنها قد تحفظ في طي الكتمان، ولربما تغلف بالمشروعية والحق والعدل، فالجاني يصبح ضحية والضحية موضع للعقاب والتنكيل. وبعد تطور المفاهيم الإنسانية، والإدراك بأن الحروب سجال، فمنتصر اليوم قد يكون مندحر الغد، بدأ المجتمع الدولي يبحث عن العدالة، ونطالب بإنشاء محكمة دولية جنائية دائمة مستقلة، تتولى محاكمة الأشخاص اللذين يرتكبون جنايات دولية بشكل منهجي ضد فئة معينة من الناس. وبعد صراع مرير، وشد وجذب بين المصالح الدولية، والتمسك بمبدأ السيادة، تمكن المجتمع الدولي من التقدم خطوات نحو إنشاء محكمة الجنايات الدولية عام 1998. وعلى الرغم من امتناع الدول التي تنتهك القانون الدولي وترتكب الجرائم الدولية من الانضمام إلى نظام روما الأساسي للمحكمة، تمكن المجتمع الدولي من أن يحقق إرادته. وكان إنشاء تلك المحكمة نقطة تحول كبيرة في القضاء الدولي الجنائي. ومن المؤمل أن تأتي خطوات أخرى تعزز اختصاصات المحكمة باتجاه تطويرها وقيامها بدور إيجابي في تحقيق العدالة في العالم. وعلى الرغم من أن نظام محكمة الجنايات الدولية قد نص صراحة على أنها لا تعد بديلاً عن الاختصاص القضائي للمحاكم الوطنية وأنها تعد امتداداً لها، إلا أن للمحكمة الرقابة على عمل المحاكم الوطنية فيما يتعلق بالجرائم التي تخضع لاختصاص المحكمة. فمتى وجدت المحكمة أن المحاكم الوطنية لم تتمكن من إحقاق الحق، أو أنها غير قادرة، أو تماطل في معاقبة المجرمين، تتولى محكمة الجنايات الدولية محاكمة المتهمين الذين يرتكبون الجرائم الواردة في نظامها الأساسي.
			
		موسوعة القانون الدولي الخاص جزء 2 : الجنسية والمواطن ومركز الأجانب
عدد الصفحات : 384 صفحة
بعد أن انتهينا من الجزء الأول من هذه الموسوعة والذي خصصناه للتصدي لمشكلة تنازع القوانين، سنتناول بعون الله وتوفيقه مسائل الجنسية والموطن ومركز الأجانب كموضوعات تدخل وفقاً للراجح من أراء الفقهاء وعمداء القانون الدولي الخاص ضمن صميم موضوعات القانون الدولي الخاص. والتصدي لموضوعات الجنسية والموطن ومركز الأجانب له من الأهمية ما يبرر إبرازها كواحدة من أهم موضوعات القانون عموماً وليس أقل من التدليل على صحة وسلامة هذه الخلاصة من التأكيد على أن عنصر وركن الشعب في أي دولة يبرز وتتحدد معالمه وفقاً لكل من الجنسية أو الموطن على اعتبار أن الفرد لا بد له من الارتباط مادياً ومعنوياً مع الدولة التي يتفيأ بظلالها ويتنسم عبيرها ويمنحها الشعور بالولاء والانتماء، أو على الأقل الارتباط ببقعة جغرافية معينة ارتباطاً فعلياً وواقعياً يجعله يشعر فيما لو ارتحل بعيداً عنها بالحنين والشوق لها والأمل بالعودة إليها، وبخلاف ارتباط الفرد مع الدولة أو مع الموطن تجعل من الشخص أجنبياً بمعنى غريباً عن مجتمع معين أو عن إقليم معين فنراه لا يحس بإحساس الشخص المنتمي لتلك المنظومة ولا يتنفس هواء تلك البقعة فيكون أجنبياً عن هذه وعن تلك. ولهذا نرى أن دراستنا للجنسية كرابطة بين الفرد ودولته أو الموطن كرابطة بين الفرد والإقليم ستؤدي بنا حتماً إلى التطرق إلى موضوع الأجانب على اعتبار أن الأجنبي ــ كما سيمر معنا لاحقاً ــ هو كل شخص غير مرتبط بدولة معينة أو بإقليم معين برباط فعلي وواقعي ولكنه لظرف أو لآخر موجود داخل هذه الدولة أو ضمن حدود ذلك الإقليم ولكنه وجود عابر وطارئ لا ينم عن رابطة فعلية وواقعية بينه وبين الدولة المستضيفة له ولا بينه وبين الإقليم الذي يتنفس الهواء المنتشر في سمائه. ولا أبالغ إذا قلت بان موضوعات الجنسية والموطن ومركز الأجانب تعتبر من الموضوعات التي فرضت نفسها علي كباحث على اعتبار أنها من الموضوعات الشيقة والجاذبة لأقلام المهتمين وذلك لأكثر من سبب